البابا فرنسيس: من جدتي تلقيت أول إعلان للإيمان
شارك قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في إطار زيارته الرسولية إلى كندا في مسيرة حج إلى بحيرة القديسة حنة حيث ترأس احتفال ليتورجية الكلمة مع المؤمنين.
وألقى بابا الفاتيكان عظة قال فيها حسن أن أكون ههنا، حاجا معكم وبينكم. في هذه الأيام، واليوم بشكل خاص، تأثرت بصوت الطبول التي رافقتني في كل مكان ذهبت إليه بدا لي قرع الطبول وكأنه يردد صدى نبضات القلوب الكثيرة التي خفقت على مرّ القرون بالقرب من هذه المياه، قلوب الحجاج الكثيرين الذين ساروا بخطوات منتظمة معًا لكي يصلوا إلى “بحيرة الله” هذه. هنا يمكننا حقا أن نسمع نبض قلوب شعب حاج، لأجيال انطلقت في مسيرة نحو الرّب لكي تختبر عمله الشافي.
وتابع البابا فرنسيس إذ نقلتنا هذه النبضات الحيوية، ونحن الآن هنا، في صمت، نتأمل في مياه هذه البحيرة. الصمت يساعدنا لكي نعود أيضًا إلى ينابيع الإيمان. في الواقع، يسمح لنا الصمت بأن نحج بالروح وصولاً إلى الأماكن المقدّسة: فنتخيّل يسوع، الذي أتم جزءًا كبيرًا من رسالته على ضفاف بحيرة، بحيرة الجليل. هناك اختار الرسل ودعاهم، وأعلن التطويبات، وروى أكبر عدد من الأمثال، وأتمّ الآيات والشفاءات. لقد كانت تلك البحيرة تمثل قلب “جَليل الأمم”، منطقة في الضواحي، للتجارة، حيث كانت تلتقي شعوب عديدة، وتلون المنطقة بتقاليد وعبادات مختلفة. لقد كانت المكان الأبعد جغرافيًا وثقافيًا عن الطهارة الدينية التي تركزت في أورشليم، بالقرب من الهيكل. وبالتالي يمكننا أن نتصور تلك البحيرة، التي تُسمّى بحيرة الجليل، كمركزٍ للاختلافات على ضفافها اجتمع الصيادون وجباة الضرائب، وقادة الجيش والعبيد، والفريسيون والفقراء، رجال ونساء من مختلف الأصول والخلفيات الاجتماعية.
وتابع أيها الإخوة والأخوات، حجاج هذه المياه، ماذا يمكننا أن نستقي منها؟ إن كلمة الله تساعدنا لكي نكتشف ذلك. لقد كرر النبي حزقيال مرتَين أن المياه التي تتدفّق من الهيكل، من أجل شعب الله، “تمنح الحياة” و“تشفي” تمنح الحياة. أفكر في الجدات الحاضرات معنا هنا: أيتها الجدات العزيزات، إن قلوبكن هي الينابيع التي انبعث منها ماء الإيمان الحيّ، الذي تروون به عطش الأبناء والأحفاد. لقد أثّر في دور النساء الحيوي في جماعات السكان الأصليين: إذ تحتل النساء مكانة بارزة لكونهن ينابيع مباركة ليس فقط للحياة المادية وإنما أيضًا للحياة الروحية. وبالتفكير في جداتكم، أفكر أيضًا في جدتي. منها تلقيت أوّل إعلان للإيمان وتعلّمت أنّ الإنجيل ينتقل بهذه الطريقة، من خلال حنان العنايّة وحكمة الحياة.
وأضاف بابا الفاتيكان يقول لقد كان النبّي يقول إن المياه، بالإضافة إلى أنّها تمنح الحياة، هي تشفي. وهذا الجانب يعيدنا إلى ضفاف بحيرة الجليل، حيث شفى يسوع كثيرًا مِنَ المَرْضى المُصابينَ بمخَتلِف العِلَل. وهناك، وعِندَ المَساء بَعدَ غروب الشمس، كان الناس يَحمِلون إِلَيه جَميع المَرْضى. لنتخيل هذه الليلة أنفسنا حول البحيرة مع يسوع، عندما كان يقترب، وينحني، بصبر وشفقة وحنان، ويشفي العديد من مرضى الجسد والروح: الممسوسين، والبرص، والمشلولين، والعميان، وإنما أيضًا أشخاص مرهقين، ومحبَطين، تائهين ومجروحين. لقد جاء يسوع ولا يزال يأتي لكي يعتني بنا ولكي يعزيّ ويشفيّ بشريّتنا الوحيدة والمنهكة.
نعم، تابع البابا فرنسيس يقول لأن الأمهات والجدات يساعدن في شفاء جراح القلب. خلال مأساة الغزو والاحتلال، كانت العذراء مريم، سيّدة غوادالوبي، هي التي نقلت الإيمان الصّحيح إلى السّكان الأصليين، فتكلّمت بلغتهم ولبست لِبسَهم، بدون عنف أو فرض. وبعد فترة وجيزة، مع وصول المطابع، نشرت أولى القواعد النحوية والتعليم المسيحي بلغات السّكان الأصليّين. ما أكبر الخير الذي قام به المرسلون بهذا المعنى لكي يحافظوا على لغات وثقافات السكان الأصليين في أجزاء كثيرة من العالم.
أضاف الأب الأقدس يقول كانت جموع بحيرة الجليل التي احتشدت حول يسوع تتكوّن أساسًا من أناس عاديّين وبسطاء، كانوا يحملون إليه احتياجاتهم الخاصة وجراحهم. مثلهم، إن أردنا أن نعتني ونشفي حياة جماعاتنا، لا يمكننا إلا أن نبدأ بالفقراء والأكثر تهميشًا. غالبًا ما نسمح بأن تقودنا مصالح القلة الناجحة، فيما أنه علينا أن ننظر أكثر إلى الضواحي ونصغي إلى صرخة الأخيرين؛ ونعرف كيف نصغي إلى ألم الذين وفي مدننا المزدحمة والمجردة من هويّتها يصرخون بصمت: “لا تتركونا وحدنا”. إنها صرخة المسنين الذين يواجهون خطر الموت وحدهم في البيت، أو الذين تركوا في إحدى بيوت المسنين. إنّها صرخة المرضى المتضايقين الذين بدلاً من المحبّة يقدم لهم الموت. إنها الصرخة المختنقة للشباب والشّابات الذين نسائلهم أكثر من ما نصغي إليهم، والذين فوّضوا حريتهم إلى هاتف محمول، بينما في الشوارع عينها يتجول أقرانهم تاهين، يخدّرهم بعض التسلية، وهم فريسة لأنواع الإدمان التي تملأهم بالحزن والقلق، وأصبحوا غير قادرين على أن يثقوا بأنفسهم، ويحبّوا أنفسهم كما هم، وجمال الحياة المتوفرة لهم.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء من السكان الأصليون، جئت إليكم حاجًّا لأقول لكم أيضًا كم أنّكم ثمينون بالنسبة لي وللكنيسة. أرغب في أن تكون الكنيسة مشبوكة بكم، كما تشبك وتتحد خيوط اللفافة الملونة، التي يرتديها الكثيرون منكم. ليساعدنا الرب يسوع على المضي قدماً في عملية الشفاء، نحو مستقبل أكثر شفاء وتجدد على الدوام. أعتقد أن هذه هي أيضًا رغبة جداتكم وأجدادكم.