تهديد خطر الإرهاب لا يزال مرتفعًا ويتصاعد
التقرير الأحدث الذى أنجزته لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، وجرى تقديمه أمس الأول، الثلاثاء، إلى مندوبى الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين فى مجلس الأمن، بل وحظى بتوزيع على نطاق واسع، إلى اللجان والأقسام المعنية بـ«التهديد الإرهابى» وهى عديدة، بالنظر إلى الاعتبار الأمنى المتداخل كعنصر رئيسى مع كل القضايا محل الاهتمام- حمل إشارة واضحة بداية من عنوانه «التهديد الإرهابى لا يزال مرتفعًا فى مناطق الصراع»، وهو معنى دوليًا بمراقبة وتحليل نشاط أكبر تنظيمين إرهابيين بشكل خاص هما «القاعدة» و«داعش»، حيث قدم فريق الخبراء من خلاله حزمة من التقديرات والمؤشرات التى تعطى تفسيرات لهذا العنوان الشامل.
على مستوى النطاق الجغرافى، يخلص التقرير إلى أن التهديد الإرهابى لا يزال قائمًا من تنظيمى «داعش» و«القاعدة»، وأعطى مرتبة «مرتفع» بشكل محدد فى مناطق الصراع والدول المجاورة، كما حذر من أن هذه الصراعات سوف «تحتضن» القدرة على القيام بنشاط إرهابى فى أماكن أخرى من العالم ما لم يتم حلها بنجاح. فالتنظيمان لايزالان يعملان فى المناطق ذات الاهتمام الأكبر لهما، التى تظل حتى الآن تمثل أولوية لطبيعة بيئاتها الحاضنة، كما تدفع مشكلاتها السياسية المركبة إلى إتاحة تشكيل ساحات ملائمة للعيش والتمدد، وهذه المناطق بترتيب الأولوية للتنظيمين حسب التقرير: إفريقيا ووسط وجنوب آسيا وبلاد الشام التى تشمل سوريا والعراق.
التقرير الأممى يتناول قضية الأجانب الذين قاتلوا مع تنظيم «داعش»، فهم يشكلون «عامل تهديد رئيسيًا آخر محتمل» إلى جانب من يعولونهم من زوجات وأطفال. ويقدرون من إجمالى مصادر التقرير أنهم نحو «١٢٠ ألفًا» وما زالوا فى «١١ معسكرًا» ونحو «٢٠ منشأة سجون»، فى شمال شرق سوريا وغيرها. فهناك ما يقرب من ١٠٠٠٠ «مقاتل إرهابى أجنبى»، ما زالوا محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التى يقودها الأكراد السوريون. فى حين جاء تأكيد من لجنة الخبراء التى تراقب العقوبات المفروضة على تنظيمى القاعدة وداعش، أن من بين هؤلاء المحتجزين «٣٠ ألف طفل» دون سن ١٢ عامًا، وهم معرضون بالتأكيد لخطر التطرف من قبل أيديولوجية داعش المتطرفة. فالتنظيم يستثمر طوال الوقت فى خلق جيل جديد من المتطرفين، ويواصل نهج ومناهج «أشبال الخلافة» التى تبناها عندما حكم ما يسمى بالخلافة المزعومة مساحة كبيرة من سوريا والعراق من ٢٠١٤-٢٠١٧. التقرير الأممى ربما يعترف للمرة الأولى بشكل صريح بأن «داعش» رغم هزيمتها على يد القوات العراقية والتحالف الذى تقوده الولايات المتحدة فى عام ٢٠١٨، فإنه لا يزال يحتفظ بهيكلين تنظيميين متميزين لكل من العراق وسوريا، ولديه شبكات إقليمية قوية وراسخة فى أفغانستان تغطى منطقة جنوب آسيا، وأيضًا فى الصومال تغطى موزمبيق والكونغو، ويبقى الأخطر والأكثر تمددًا فى الأعوام الأخيرة ٢٠٢٠- ٢٠٢٢ بحوض بحيرة تشاد الذى يغطى نيجيريا ومنطقة الساحل الغربى. ويحدد التقرير فى جزء بارز منه أن التطورات «الأكثر ديناميكية»، خلال الأشهر الستة الأولى من عام ٢٠٢٢، الأولى هى عملية الهروب من منطقة السجون الرئيسية التى نفذتها داعش فى مدينة «الحسكة» شمال شرق سوريا فى شهر يناير، التى أسفرت عن إطلاق سراح عدد كبير من السجناء مع تكبد خسائر فادحة فى صفوف قوات سوريا الديمقراطية. والأخرى مقتل زعيم التنظيم المعروف باسم «أبوإبراهيم الهاشمى القريشى» فى فبراير، إثر غارة نفذتها القوات الأمريكية لمكافحة الإرهاب بالقرب من الحدود التركية فى شمال غرب سوريا. وقد اعترفت داعش بوفاته فى مارس، وأعلنت عن أن خليفته هو «أبوالحسن الهاشمى القرشى»، لكن اللجنة لم تصل حسب التقرير إلى تأكيد هويته الحقيقية بعد، على الرغم من مناقشتها على نطاق واسع من قبل العديد من الدول.
على جانب آخر، يورد التقرير ما يشير إلى متابعته لما يقوم زعيم القاعدة «أيمن الظواهرى» بإصداره مؤخرًا، من رسائل فيديو منتظمة تقدم دليلًا «شبه مؤكد» أنه على قيد الحياة. وينقل عن دول شاركت الجهة الأممية تحليلاتها أن الراحة المتزايدة الواضحة، فضلًا عن قدرة الظواهرى على التواصل، تزامنت مع استيلاء طالبان على أفغانستان مرة أخرى فى أغسطس ٢٠٢١، مما يؤشر إلى استعادة توطيد قوة حلفاء القاعدة الرئيسيين داخل إدارتهم الفعلية الحالية. تزامن ذلك أيضًا مع دعاية تنظيم «القاعدة»، حيث أصبحت الآن أكثر تطورًا، بل وتتنافس من جديد مع داعش باعتبارها الفاعل الرئيسى فى إلهام بيئة العمل الإرهابى المسلح، وقد تصبح فى النهاية مصدرًا أكبر للتهديد الموجه. فهناك السياق الدولى الذى صار مواتًا للقاعدة أكثر مما مضى، كى تصل لمبتغاها فى الاعتراف بها مرة أخرى كزعيم للجهاد العالمى.
فيما يخص عملية التمويل، وهى الأخطر والأهم دون شك، حيث تمثل الدماء التى يمكنها أن تحيى شرايين التنظيمين، لجنة إعداد التقرير نقلت عن مصادرها فى بلدان عدة، أن قيادة داعش وحدها تسيطر على ما يقرب من «٢٥ مليون دولار» من احتياطيات الأموال السائلة للتنظيم، مع التأكد من بقاء الكثير من الأموال فى العراق. فى حين تظل النفقات على المقاتلين وأفراد أسرهم بشكل أساسى تتجاوز الإيرادات الحالية، لكن يمكن لمصادر الدخل الإضافية أن تعوض تلك الفجوة، بما فى ذلك الابتزاز والاختطاف من أجل الفدية والتبرعات المباشرة والدخل من التجارة والاستثمارات، وهذه الأدوات والسبل التى برعت داعش فيها فى مناطق وجودها، ساعدتها دون شك على «التكيف والحفاظ على نفسها».
فالدول الأعضاء التى أمدت اللجنة بالمعلومات ذكرت أن قدرة قادة داعش على توجيه التمويل والحفاظ عليه للفروع العالمية «لا تزال مرنة»، مثلما جرى تسليط الضوء على «الأهمية الناشئة لجنوب إفريقيا» فى تسهيل تحويل الأموال من قيادة داعش إلى الشركات التابعة لها فى إفريقيا. وقد توافر لدى اللجنة الأممية ما جعلها على دراية بالعديد من المعاملات الكبيرة، التى يبلغ مجموعها أكثر من «مليون دولار»، لذلك فهم يلاحقون الآن المسار الذى يتلقونه من تقارير عن داعش والقاعدة واستخدامهم لـ«العملات المشفرة» لطلب التبرعات ودعم الأنشطة. فأحد تلك التقارير تناول ما تقوم به «داعش» من تقديم دروس تعليمية حول كيفية فتح محافظ الأصول الرقمية وإجراء المعاملات باستخدام العملات المشفرة. فى حين أورد آخر مجموعة من الشواهد بشأن المعاملات التى يزيد مجموعها على «٧٠٠ ألف دولار»، تشمل بشكل أساسى العملات المشفرة المعززة للخصوصية، لتمويل عمليات داعش فى أفغانستان، كما يشير إلى تطورها المتزايد فى استخدام العملات المشفرة الأقل شهرة.
تقرير كاشف ويدعو للقراءة المعمقة، حيث يتناول العديد من المؤشرات التى تتميز بقدر من الشفافية ومصداقية التحذير، من أن الخطر الإرهابى لا يزال قائمًا وهو ما يحاول البعض تجاوزه أو تجاهله، رغم الكثير مما يجرى على ساحات التنافس والصراع بين التنظيمين الكبيرين وأتباعهما، وفى بيئات عدم الاستقرار ووجودهما الذى يفسح له المجال بأكثر مما يمكن التغاضى عنه.