المثقفون والحوار الوطنى
لم تُعلَن حتى الآن المحاور النهائية لأعمال فعاليات «الحوار الوطنى».. من وجهة نظرى الخاصة لا بد من محور خاص عن «الثقافة والمجتمع» ولا بد أن يُدعى كبار مثقفينا للحوار الوطنى.. الحوار له طرفان وبالتالى فالمثقفون يجب أن يطرحوا وجهات نظر إصلاحية فى كيفية تطوير المجتمع واللحاق بركب النهضة.. وفى نفس الوقت يجب أن يستمعوا لوجهة نظر الدولة فى التنمية، والخط السياسى والاقتصادى الذى تتبناه.. الفكرة الأساسية أن بعض خطوط الاتصال مقطوعة بفعل فاعل منذ السبعينيات وبعضها أعيد ثم تم قطعه بعد يونيو ٢٠١٣ نتيجة طبيعة التحديات.. من وجهة نظرى الخاصة فإن أعظم مثقفى مصر أثرًا هم أولئك الذين انتهجوا المنهج الإصلاحى وتعاونوا مع الدولة فى عملية تنوير المجتمع.. وهم بالترتيب «رفاعة الطهطاوى» و«على مبارك» و«طه حسين».. ونماذج أخرى فى مواقع وعصور مختلفة منهم «ثروت عكاشة» و«سعد كامل» و«محمود أمين العالم» و«لطفى الخولى» و«محمد حسنين هيكل» و«أحمد بهاء الدين».. مرت علاقة المثقفين بدولة يوليو بمرحلة صدام سياسى انتهت فى ١٩٦٥ بالاندماج مع مؤسسات الدولة السياسية والثقافية وتبنى مشروعها الإصلاحى.. القطيعة حدثت مع الرئيس السادات الذى لم يفرق بين وظيفة المثقفين فى التنوير والثقافة ونشر الفنون بين الناس وبين معارضة بعضهم لمواقفه السياسية.. انزعج الرئيس السادات من نشاط المثقفين فى الوقت الذى أطلق فيه يد جماعة الإخوان والمتطرفين للتأثير فى المجتمع..رغم أى تقدير له لا يمكن إنكار حقيقة أنه أضعف كل مؤسسات الدولة التى ظن أنها معارضة له سواء مؤسسات ثقافية أو أمنية.. وقد دفع لهذا ثمنًا غاليًا فى النهاية.. مع السبعينيات وما تلاها شعر المثقفون بالاغتراب وناصبوا الدولة العداء وتحلقوا فى حلقات خاصة وهاجروا لصحف الخارج وأصدر بعضهم مجلات بإمكانات بسيطة لتكون بديلًا عن مؤسسات الدولة الثقافية.. استمر هذا أول تسع سنوات من حكم الرئيس مبارك حتى تولى وزير ثقافة مختلف هو فاروق حسنى الذى قاد عملية مد الجسور بين الدولة والمثقفين.. رغم أهمية ما قام به فاروق حسنى إلا أنه لم يكن يسفر عن إصلاح حقيقى للمجتمع، لأن الدولة نفسها لم يكن لديها مشروع ليتبناه المثقفون أو يشاركوا فيه.. تعاون المثقفون مع الدولة فى وقت صعود الإرهاب وبذلوا جهدًا كبيرًا.. لكن استمر صعود حركة الإخوان وتمكين بعض السلفيين من عقول الناس وغابت الثقافة عن الشارع والقرية وكانت النتيجة كما نعرف جميعًا.. رغم تراجع الأفكار اليسارية التى كانت تجعل كثيرًا من المثقفين يرون أن عليهم أن يساهموا فى إشعال الثورة حلمًا بمجتمع مثالى إلا أن مثقفينا لم يتبنوا طرحًا بديلًا.. بعض المثقفين المحترمين يتبنون نظرية الدكتور إدوارد سعيد حول المثقف والسلطة.. سعيد أمريكى من أصل فلسطينى، وهو يرى أن دور المثقف الحقيقى هو نقد السلطة وترك مسافة كبيرة بينه وبينها.. سعيد عقل لامع لكنه يتحدث عن مجتمع غربى قطع شوطًا طويلًا جدًا فى عملية التطور والنمو.. لو كنت أعيش فى أمريكا فسأنقد السلطة بكل تأكيد، لأن المجتمع متطور جدًا والسلطة هناك تعبر عن أصحاب المصالح المالية الكبيرة.. عندى اجتهاد خاص فيما يتعلق بمصر..نحن إزاء سلطة وطنية تقود عملية تحديث وإصلاح.. الدولة تعلن الحرب على الفساد والرئيس يقود عملية إصلاح من داخل الدولة المصرية.. التحديات الكبيرة مثل الإرهاب والفقر والتخلف وسرقة دور مصر الحضارى تجعل المساندة أولى من النقد.. النقد سيأتى دوره فيما بعد لكن لا بد من إتمام مشروع الإصلاح والنهضة.. إلى جانب «العداء للفساد» هناك أيضًا «حياة كريمة» و«القضاء على العشوائيات»، والأهم أن هناك وعيًا بدور الثقافة فى محاربة ثقافة التخلف.. الفعاليات الثقافية تنزل للقرى، والفعاليات الثقافية مثل «مهرجان المسرح القومى» مثلًا بدا وكأنها ترتدى ثوبًا جديدًا.. هذا ناتج عن اهتمام سياسى ومساندة لمسئولى وزارة الثقافة.. حالة الاغتراب دفعت الكثير من مثقفينا لطلب الدعم من جهات غير مؤسسات الدولة، ومحاولة خلق مجال حيوى بديل من خلال التعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية أو الترشح لجوائز غربية أو أحيانًا طلب اللجوء بدعوى أن أفكار المثقف لا تلقى ترحيبًا من المجتمع الذى لا يرحب بالاختلاف.. مطلوب أن تعيد كل الأطراف النظر فيما تعتبره مسلّمات عن الطرف الآخر.. مطلوب حالة حوار بهدف الفهم والتفاوض حول منطقة وسط.. مطلوب من مسئول الحوار الوطنى الأستاذ ضياء رشوان أن يوجه الدعوة لكبار المثقفين ولأجيال مختلفة منهم.. وأن يجلس معهم فى جلسات تمهيدية تشاورية.. هذه الجلسات إن لم تكن مفيدة فهى ليست مضرة وأعتقد أنها ستسفر عما يمكن طرحه على المؤتمر العام للحوار الوطنى الذى يسعى لبناء جمهورية جديدة تتسع للجميع.. والمثقفون لا يقلون أهمية عن محترفى السياسة ورؤساء الأحزاب.. أو هكذا أظن.