إيجابيات ثورة 23 يوليو كما رآها المؤرخ والمفكر رؤوف عباس
مازلنا نسعيد ثورة ذكريات 23 يوليو 1952، ونحتفى بما حققه ضباطنا الأحرار في التحرك لإنقاذ مصر مما كانت تعيشه من أجواء فساد سياسي وعسكري، ونجاحهم الممتد في استقلال مصر كاملا، من بعد طرد الاحتلال الإنجليزي.
ويرى المؤرخ والـكاديمي الدكتور رؤوف عباس أن “الثورات الكبرى التى تغير واقع مجتمعاتها وتؤثر فى السياسة العالمية على الصعيدين الاقليمى والدولى، وتصبح مثارا لاهتمام المؤرخين وموضوعا للجدل المستمر حولها، وكان هذا شأن ثورة يوليو 1952، فتواترت الكتابات حولها ركز البعض على إيجابياتها ولم ير البعض الآخر غير سلبياتها”.
ويقدم عبر كتابه "ثورة يوليو - إيجابياتها وسلبياتها بعد نصف قرن" رؤية لجيلين من العرب تفتح وعيهم السياسى بعدها أصبحت ثورة يوليو فى ذمة التاريخ - رؤية موضوعية متوازنة الثورات الكبرى التى تغير واقع مجتمعاتها وتؤثر فى السياسة العالمية على الصعيدين الإقليمى والدولى وتصبح مثارا لاهتمام المؤرخين وموضوعا للجدل المستمر حولها، وكان هذا شأن ثورة يوليو 1952.
ويذهب الكتاب لتقديم رؤية موضوعية متوازنة لها مستندة إلى الوثائق الرسمية والمذكرات وخبرة المؤلف بالتاريخ القومى، ويجدد ما للثورة وما عليها على ضوء رؤية عميقة للتجربة كلها.
وأشار المؤرخ الراحل رؤوف عباس إلى أنه "فيما بين ثورة 19 وثورة يوليو شهدت مصر تيارات سياسية وطنية مختلفة تزعمها الشباب الذي عاش ثورة 1919 بوعيه أو شهد أحداثها، وراعه ما أسفرت عنه من تبديد لتضحيات التي قدمها الشعب في تلك الثورة، فقد استمر وجود الاحتلال البريطاني، واستمر الاقتصاد المصري رهينة في يد الأجانب رغم المحاولة الرائدة التي قام بها طلعت حرب لبناء اقتصاد وطني من خلال مشروع بنك مصر، فقد كان الهيكل القانوني الذي يعطي مساحة واسعة لرأس المال "فيما عرف بالأمتيازات الأجنبية" يقف سدا منيعا في طريق بناء اقتصاد وطني، ولعب كبار الملاك الزارعيين دورا سلبيا في المجالين السياسي والاقتصادي بحكم ارتباط مصالحهم كمنتجين للقطن مع تلك البنية التي قواعدها دستور 1923م.
ولفت إلى أن تلك السياسة الجديد التي قادها الشباب كانت تطرح بدائل للنظام السياسي القائم وللنموذج الليبرالي الذي كان قائما، وبهرهم نجاح الاشتراكية في روسيا وقيام الاتحاد السوفيتي، فرأوا فيه النموذج الأمثل لحل "القضية المصرية" بمختلف أبعادها، وبهر بعضهم الآخر نجاح النموذج الفاشي في إيطاليا..
في هذا الاطار قام الجيش بحركة 23 يوليو بقيادة الضباط الأحرار، وطرحت الحركة المطالب الأساسية للحركة الوطنية المصرية من مختلف أبعادها: السياسية والاقتصادية، وهي مطالب ثورية، جعلت من الحركة العسكرية ثورة سعت لتحقيق المكالب الوطنية التي تبنتها طليعة ثورية قادت التغيير على مدى عقد كامل من الزمان حتى اقامت نظامها الجديد.
ويؤكد رؤوف عباس على أن ثورة 23 يوليو كانت نتاجا طبيعيا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عاشتها مصر، منذ أن انتهت ثورة مارس 1919 بحصول مصر على درجة من الاستقلال الذاتي، ظلت بريطانيا تتمتع في ظله بوجودها العسكري في مصر، وبهيمنتها على أداة الحكم من خلل ممثلها السياسي في مصر.
ولفت عباس إلى أن القوى السياسية المصرية حاولت التخلص من هذا الوضع الخطير عن طريق مفاوضات متصلة الحلقات مع بريطانيا، لم تنجح في تحقيق الاستقلال الوطني المنشود، كما عجزت القوى السياسية عن التوصل إلى علاج للمسألة الاجتماعية التي كانت قد بلغت درجة التفاقم عند نهاية الحرب العالمية الأولى، وازدات حدت نتيجة الكساد الاقتصادي العالمي في الثلاثينيات، وأزمة الحرب العالمية الثانية، وانعكس ذلك كله على حركة الجماهير المصرية التي طلعة إلى نظام سياسي جديد يحقق الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية معا، وعبرت بعض جماعات الرفض السياسي والاجتماعي عن تلك التطلعات بصورة أو بأخرى.
وأكد الكتاب على ان لم يكن عبد الناصر فيلسوفا للثورة ولا منظرا بها ولا مبشرا بمادئها فلم يكن لها في الأصل إيدلوجية محددة، أو نظرية ثورية ذات معالم واضحة، كونت مشروعها من خلال الممارسة العملية، والتجربة والخطأ، وكان جمال عبد الناصر تلميذا نابها لأمته يستلهم تراثها الثقافي والسياسي بقدر ما كان تلميذا نابها لعصره يعى واقعه ومتغيراته ، ويسعى لاستيعابها