في ذكراه الـ 7.. كيف حرك رأفت الميهي دماء الإبداع الراكدة في السينما؟
تحل علينا اليوم الذكرى السابعة للمؤلف والمخرج الراحل رأفت الميهي أحد أعمدة السينما خلال العقود الماضية والذي استطاع خلق حالة سينمائية مميزة وترك تراثا فنيا هائلا.
الذكرى السابعة لـ رأفت الميهي
كون رأفت الميهي تيارا سينمائيا بارزا، يتناول الجديد من الأفكار والتقنيات والمضمون حيث اُطلق عليه تيار "السينما المصرية الجديدة" الذى اتخذ مجال التجريب مبدأ فى أعماله جميعا، تلك الأعمال التى لم تخلو من مواجهة مشكلات الرقابة وضجيج من الاعتراضات التى تصل فى بعض الاحيان الى القضاء، مثال على ذلك فيلم الأفوكاتو.
سيناريو وحوار رأفت الميهي
مجرد أن تلمح اسم رأفت الميهى على تتر أحد الأعمال السينمائية تركض متحمسا لحجز تذكرة فى دور العرض، بعض الأجيال الجديدة لم يسعدها الحظ بأن تجلس فى صفوف سينما الستينات والسبعينيات ولكن جميع ماتم عرضه فى هذه الفترة من كتابة وتأليف رأفت الميهي يعد من التراث السينمائى الذى بثه التلفزيون المصري والفضائيات مرارا، تعاون الميهي مع المخرج كمال الشيخ.
فى عدة أعمال مهمة، وذلك قبل أن يقرر إخراج ماكتب اى يحول السطور الى صورة سينمائية، ومن السيناريوهات الخالدة التي قدمها، في أفلامه الأولى ككاتب سيناريو، كتب أول سيناريو للسينما سنة 1966، وكان سيناريو فيلم "جفت الأمطار" بعد حصوله على دبلومة معهد السينما ومنها وأصبح أبرز أبناء جيله من كتاب السيناريو.
اعتمد رأفت الميهي على نصوص أدبية أعاد صياغتها من خلال رؤيته الخاصة في عام 1970 مع المخرج كمال الشيخ ثنائي عبقري حيث أنتج أعمالا بالغة الأهمية تشكل مرحلة شائكة من تاريخ مصر فقد قدما فيلم « غروب وشروق « عن رواية لجمال حماد و «شئ في صدري» عن رواية إحسان عبد القدوس ثم فيلم« على من نطلق الرصاص « عام 1975 حيث استخدم الميهي الحل الفردي بديلا للقانون رغم أنه قدم بمهارة درامية الأسباب والدوافع التي دفعت بطلة إلى إطلاق الرصاص على رئيس مجلس الإدارة الفاسد الذي تسبب في موت صديقه، كما تعاون رأفت الميهي مع المخرج على بدرخان في عام 1971 في فيلم « الحب الذي كان « وهو أول فيلم طويل يحمل توقيعه كمؤلف سينمائي.
ويعتبر الميهي كاتب السيناريو الذى اقتحم عالم الإخراج وأعلن عن نفسه كمخرج فى عام 1981 من خلال تقديم فيلم "عيون لا تنام"عن مسرحية "رغبة تحت شجرة الدردار" ليوجين أونيل والذى كتبه وأخرجه وقام بإنتاجه ايضا اثبت مكانته الكبيرة على الساحة السينمائية بجدارة إذ كان تحوله للإخراج ليس فيه من الغرابة شيء، فقد سبقه الى ذلك العديد من الفنانين العرب والأجانب، فكاتب السيناريو هو الأقرب إلى العمل السينمائي وذلك لقيامه ببناء الشخصيات وتحركاتها وتدفق الأحداث الدرامية ، ولا يبقى بعد ذلك سوى إتقان الجانب الحرفي والتقني لتجسيد كل ذلك على الشاشة، فمن السيناريو والمونتاج يخرج أفضل المخرجين، لقد اكتسب رأفت الميهي حرفية الإخراج من خلال حضوره تصوير جميع ماكتبه للسينما واتصاله المباشر بمشاكل الاستوديوهات أثناء التصوير.
وتنقلت أفلام رأفت الميهي بين عدة تجارب مختلفة لم تتفق سوى فى إصرارها على التركيز على إبراز مشاكل الإنسان الداخلية بشكل كوميدي ينتمي الى الكوميديا السوداء اسوة بالفنان نجيب الريحاني أشهر من برع في تكوين هذه المدرسة السينمائية الصعبة، أبرز مثال على ذلك فيلم الأفوكاتو عام 1983 من إخراجه وتأليفه إذ قدم من خلاله نوعا مميزا من الكوميديا الراقية والهادفة غض البصر عن افلام الكوميديا المبتذلة مبتعدا عنها، والتى لاقت رواجا فى تلك الفترة، ومستغلاً ذلك لتصحيح الاعتقاد الخاطئ والسائد عن الكوميديا خصوصاً الأفلام التي تناولت الكوميديا بشكل تجاري بحت، اما الميهي فقد قدم فن الكوميديا والضحك بطريقة ليست ببعيدة عن مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية، وهذا بالضبط ما فعله الميهي عندما قدم فيلم الأفوكاتو "حسن سبانخ"، والذي تعرض الى المسائلة القانونية لجميع من شارك فى الفيلم بتهمة الإساءة الى صورة المحامي، حيث جسد الفنان عادل امام دور البطولة فى شخصية حسن سبانخ المحامى اللعوب الذي قضى عقوبة إهانة القضاء لمدة شهر فى السجن واستغل فترة الحبس فى اقامة علاقات مع المحبوسين مثل تاجر المخدرات حسونة الذى قام بدوره الفنان حسين الشربينى واحد قيادات الانظمة السياسية الفاشية فى الستينات سليم ابو زيد الذى قام بدوره الفنان صلاح نظمي، لم يخلو الفيلم من الفانتازيا المحببة خاصة فترة السجن هذه اذ يبرز الميهى الفساد الذى يسود المؤسسة القضائية والمتمثلة فى ضعف شخصية القاضى وارتباك احكامه بالاضافة الى انتشار الرشاوى داخل السجن التى يقدمها المحبوسين من الاثرياء الى عبدالجبار اشهر سجاني السينما المصرية.
لم يكن الافوكاتو الفيلم الوحيد الذى قدم حقائق عن السلطة والسياسة وخبايا هيئتى القضاء والقانون فى فانتازيا كوميدية فقد قام الميهي بطرح عدة مشاكل مجتمعية على الغرار نفسه حيث تعاون مع الفنان محمود عبد العزيز ومعالي زايد فى سلسلة فانتازيا تتناول موضوعات شائكة لم يتناولها سوى مخرج مبدع وجرئ مثل الميهي على سبيل المثال: مشكلة سطوة الذكر على الأنثى ومحاولة إخضاعها تحت سيطرته وتمردها عليه وقيامها بعملية جراحية لتتحول إلى ذكر فى محاولة لرفض نظرة الرجل الشرقي والمجتمع بجميع فئاته، التى تنحصر فى ضعف ارادتها وتحملها الذى يتفوق فيه الذكر عنها وذلك من خلال فيلم السادة الرجال عام 1987 من تأليف الميهي وإخراجه، لم يبتعد فيلم سيداتى انساتى كثيرا عن الفانتازيا والكوميديا الاجتماعية المقدمة فى فيلمه السابق حيث ان هذه المرة اتفقت أربع فتيات على الزواج من الدكتور محمود زميلهن فى العمل والمتنكر فى مهنة الساعي لزيادة دخله، يتفق تفكيرهن في الزواج من رجل واحد كحل للازمة الاقتصادية جانب أزمة السكن، اى انهن اجتمعن على تنفيذ خطة للتوفير ولمزيد من السلطة، اشترطن أن تكون العصمة فى ايديهن للتحكم فى الزيجة، حيث تطلقت اثنتان منهن وتزوجتا من نفس الرجل واتيا به ليسكن الشقة نفسها فى نوع من الكيد والانتقام كما يفعل الأزواج الذين يتحكمون فى تطليق الزوجة والزواج بأخرى في اى وقت يشاء.
وفي عام 2009 حول الميهي الرواية التي كتبها الكاتب خيري شلبي "وكالة عطية" إلى مسلسل تليفزيوني، وهذه هي التجربة الوحيدة في الدراما.
توقف الميهي عن الإخراج، وأنشأ أكاديمية تحمل اسمه لتدريس كل عوامل صناعة السينما، وهي السيناريو، والديكور، والإنتاج، وهندسة الصوت، والإخراج، وكأنه كان يعرف تن رحلته مع السينما وصلت إلى مرحلتها النهائية وحان وقت تسليم الراية إلى أجيال جديدة أكثر وعيا او فهما لاليات صناعة الصورة، ولكي يؤسس مدرسته الخاصة في الإخراج والكتابة التي تحاكم الواقع باسلوب ساخر وفانتازي.