من مذكرات أحمد حسن الزيات.. كيف استقبل المصريون ثورة 23 يوليو؟
أحمد حسن الزيات باشا ( 2 إبريل 1885 - 12 مايو 1968) من كبار رجال النهضة الثقافية في مصر والعالم العربي، ومؤسس مجلة الرسالة، وعضو المجامع اللغوية في القاهرة، ودمشق، وبغداد، والفائز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1962 م في مصر، وأحد شهود العيان على ثورة 23 يوليو 1952 والتى سجل وقائع تفجرها فى ذات اليوم بمذكراته التى نشرها فى مجلة الرسالة بتاريخ 25 يوليو 1963.
"الزيات" قال فى مذكراته صباح يوم ثورة يوليو المجيدة التى نحتفل بذكراها السبعين اليوم: كنا فى ذلك اليوم التاريخي الخالد برأس البر، نصبح ونمسى كنزلاء السجن من غير حرية ولا متعة، ونغدو ونروح كدمى الأراجوز من غير إرادة ولا شعور، وكان الجو الاجتماعى فى كل مكان متأثرًا بالجو السياسي فى القاهرة: حرارة عالية ورطوبة شديدة وخناق يقطع الأنفاس.
وتابع "الزيات": كانت التجارب الوزارية فى عابدين ورأس التين كالتجارب الذرية فى روسيا وأمريكا، ترج الوجود المصرى رجًا عنيفًا وتزلزل الكيان القومى زلزالًا مخيفًا. وكل أولئك وأيدى الحكام والساسة مشلولة لا تتحرك، وأعينهم مطروقة لا تبصرن وألسنتهم معقودة لا تنطق.
وكان الذى قلب نظام الطبيعة وعاق سير الفلك شخصية واحدة! شخصية أخطبوطية من عمل الشيطان مدت أذرعها المتشعبة القوية فى كل ناحية من نواحى المجتمع المصرى، كانت على مواقد القمار جرافة تجرف الفيش، وفى مواخير الفسق ذراع تحاصر الدعارة، وفى بيوت المال خطاف يلم الذهب، وفى أركان اللذة مدية تذبح الفضيلة، وفى أوكار الجريمة خنجر يغتال البراءة، وفى وزارات الحكم قدم تطمس العدالة.
وكانت الذلة قد غلبت على نفوس الشعب من طول الذل واستطالة الإرهاب فاستنام للهوان. فما هو إلا أن ضرب الجيش ضربته حتى انفجر الطاغية المنفوخ، وانطوى الأخطبوط المنتشر، وخشع السلطان القاهر، وتقوض الحكم الذليل، وعز الشعب المنتصر، وأعادت الثورة مصر إلى أهلها بعد 2280 سنة قضتها تحت حكم الغريب الواغل تحرث وهو يسوق تزرع وهو يحصد، فأثبتت للشعوب المستذلة أن أغلال العبودية وأثقال الطغيان مهما تهد من بنيانها على تتابع القرون وتضعف من إيمانها بتوالى الخطوب لا بد أن تشعر يومًا من الأيام أن لها قوة تأتى العجب إذا أرادت. وأن لها إرادة تحقق المستحيل إذا وعت! هناك سمع المصطفون نبأ الثورة من الإذاعة فأخذوا يتعانقون فى الشوارع من غير معرفة، ويتزاورون فى العشش من غير ميعاد، ويتقلبون فى الفرح والتهنئات والتكهنات حتى الصباح.