الكاتبة صفاء البيلى: بداياتى كانت مع المسرح الشعرى.. و«المونودراما» أقرب الأشكال إلى قلبى (حوار)
صفاء البيلى كاتبة مسرحية من طراز رفيع، فهى متعددة المواهب وكتابتها تتميز بأسلوب شاعرى وضعها فى مصاف المبدعات الكبار، فهى دائمًا فى حالة من الجدال حول ما ستقدمه، ودائمًا تبحث وتنقب عن الجديد فى الكتابة المسرحية، فهى مؤلفة بدرجة باحثة، ودائمًا تفاجئ المسرحيين بطرق أبواب موضوعات إنسانية شائكة مؤثرة فى العقول والنفوس.
حصلت «صفاء» على ليسانس اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنصورة، ثم حصلت على درجة الماجستير فى تخصص النقد الأدبى الحديث، ونُشر لها العديد من الدواوين الشعرية ومنها «رحلة افتراضية»، و«ليست سوداء بدينة»، و«على طراطيف الصوابع»، كما قُدمت لها على المسرح نصوص عديدة منها «استغماية»، و«امرأة عنيفة»، و«ماريونيت»، و«السرير»، و«الجنرال»، و«الغرباء لا يتعلقون بالحبال».
وحصلت أيضًا على العديد من الجوائز، منها جائزة فى النص الموجه للطفل عن مسرحية «كوكب ورد» من الهيئة العربية للمسرح، وجائزة الإبداع الثقافى «الألسكو» عن النص المسرحى «الجنرال»، وجائزة تيمور المسرحية عام ٢٠٠٢، وجائزة فى المسرح الشعرى من المجلس الأعلى للثقافة ١٩٩٥، وجائزة أفضل مؤلف صاعد من المهرجان القومى للمسرح، وقد كان لـ«الدستور» هذا الحوار معها.
■ كيف كانت لنشأتك بالمنصورة تأثير عليك ككاتبة؟
- تأثرت فى المرحلة الأولى أو البدايات بالشعر، فعندما كنت فى المنصورة كنت أخطو خطواتى الأولى فى كتابة المسرح، ولم تكن كتابة بمعناها المتعارف عليه، لكنها كانت صياغة شعرية لنص مسرحى للأطفال، وتنبأ لى مخرج العرض «فتحى فضل» حينها، بأننى سأصبح مشروع كاتبة مسرحية متميزة، وكانت أشعارى درامية إلى حد بعيد، لذا شغلتنى فى البداية كتابة المسرح شعرى.
ونشأتى بالمنصورة كان لها أثر كبير على موهبتى، فهى بيئة محفزة للمبدع، كان لدينا نادى أدب وقصر ثقافة، ونشاطات ثقافية متعددة، وكانت عائلتى ترحب بذهابى إلى القاهرة لحضور العروض المسرحية والفعاليات الثقافية، كانوا يدفعوننى ويشجعوننى بشكل دائم.
■ ما تأثير الشعر على كتاباتك المسرحية؟
- عندما وجهنى المخرج فتحى فضل لكتابة المسرح الشعرى، كتبت أولى مسرحياتى بعنوان «نوبة رجوع» عن جليلة بنت مرة، أو «باروكة للصحراء»، وكنت أميل فى بداياتى لكتابة عناوين للنصوص، وهذا لأننى كنت أقع فى حيرة فى اختيار عناوين النصوص، وكنت أضع القارئ معى فى هذه الحيرة، وكان هذا الأمر فى بداياتى يدعو للاستغراب، ولكننى تخلصت منه فيما بعد، واستلهمت معظم كتاباتى فى المسرح الشعرى من مقولة «هل نحن قدريون أم أغبياء؟»، وهذه المقولة تصدرت ما يقرب من عشرة نصوص لى على مستوى الدراما، فمعظم حوادث التاريخ السابقة فى أزمان متعددة، نمر بها الآن؛ ومع ذلك نقع فى نفس الأخطاء التى وقع فيها السابقون فلا نتعلم من ماضينا.
الماضى دراما كبيرة جدًا، فعندما نقرأ عن أشياء حدثت فى الماضى فنحن نعيش حيوات فى الماضى، ونمر بنفس ظروف الماضى فيجب أن نتعلم، وظروف كتابة نص «باروكة للصحراء» كانت تواكب فترة أزمة الحرب بين الكويت والعراق فى بداية التسعينيات، ووقعت فى حيرة فى أننى شاعرة وأرغب فى كتابة الدراما، فماذا أفعل؟
وفكرت فى الحدث التاريخى الذى حدث فى الماضى، وكان له نفس المصير والنتيجة، وكان هذا ينطبق على جليلة بنت مرة وحرب «البسوس»، وكانت جليلة بنت مرة حائرة فمع من ستقف، مع زوجها أم شقيقها، ووقعت فى نفس حيرة جليلة بنت مرة، فى تحديد رأى حول حرب الكويت والعراق، فكلاهما بلد عربى، وكنت لا أعرف مع من سأقف!
■ نلاحظ تعدد أشكال الكتابات المسرحية التى قدمتها مثل المونودراما ومسرح الطفل والمسرح الشعرى.. أيها أقرب إليكِ؟
- كما سبق وذكرت أن بداياتى كانت بكتابة المسرح الشعرى، واستمررت فى كتابته سنوات قليلة، وعندما توقفت عن كتابة المسرح الشعرى لم أتوقف عن كتابة المسرح بلغة شعرية، فروح الشعر فى كتابتى، وبعد الانتهاء من مشاهدة أحد العروض من تأليفى يلتصق بذهن المتفرج بعض العبارات والمقولات ويرددها، والكثيرون علقوا على هذا الأمر، وأقرب أنواع الكتابات المسرحية لقلبى هو «المونودراما» ثم «مسرح الطفل» ثم «مسرح الكبار» مع العلم أن بدايتى كانت كتابة لمسرح الكبار، وأشعر أن الكاتب المتصدى لكتابة المونودراما، يجب أن يكون كاتبًا قويًا مالكًا لأدواته، فالمونودراما هى فن الإيجاز والتعبير، كما أنى حصلت على درجة الماجستير فيها.
■ تعددت كتاباتك عن قضايا المرأة.. فى رأيك هل استطاعت الكتابات التى قُدمت عن المرأة أن تمس عمق قضاياها ومشكلاتها؟
- هناك الكثيرون مهمومون بقضايا المرأة، وهنا لا أحبذ تحديد النوع، رجالًا أم نساءً، فلا أفضل أن نفصل فى مسألة الإبداع بين إبداع ذكورى أو إبداع أنثوى، ولكننى أهتم بقضايا الإنسان بشكل عام، فالكثير من النصوص التى كتبتها وقيل عنها مناصرة للمرأة، هى أيضًا مناصرة للرجل، فعندما أكتب عن الرجل، فأنا أكتب عن المرأة فى نفس الوقت، وألفت الأنظار إلى عدة أشياء يقع فيها ظلم على الرجال، ولا أكون متعمدة فى كتاباتى الدفاع عن حقوق المرأة، لأنه يعد انتقاصًا للمرأة نفسها، فهى كائن كامل لا يحتاج لأن يدافع عنه أحد، وعندما أكتب فأنا أدافع عن حقوق الإنسان، رجلًا أو امرأة.
■ لماذا نلاحظ قلة عدد كاتبات المسرح؟
- قرأت سابقًا لكاتب يحلل أسباب عدم كتابة المرأة للمسرح، ولا أتذكر اسم هذا الكتاب، ومن الأسباب التى ذكرت فى هذا الكتاب أن المرأة أحادية التفكير، أى أنها لا تستطيع الكتابة بشكل درامى متشعب، وأنها لا تستطيع أن تفعل إلا شيئًا واحدًا فى وقت واحد، فلم ينظر إلى المرأة أنها تستطيع أن تقوم بالعديد من الأدوار، والواجبات كأم وامرأة عاملة ومبدعة، ولم ينظر للمرأة ككاتبة روائية؛ لأن الرواية هى الشكل الأقرب للمسرح، لأنها تحوى أصواتًا متعددة كالمسرح؛ وأنا أعد هذا الرأى انتقاصًا لعقل المرأة لن يقبله الرجل أو المرأة، ويرجع عدم وجود عدد كبير من الكاتبات فى المسرح، ربما إلى أن المسرح فن صعب والمرأة تميل إلى الكتابات التى تحوى سردًا وبوحًا، فنجد إنتاجها كبيرًا فى الرواية والقصة القصيرة.
■ ما رأيك فى مصطلح «الكتابة النسوية»؟
- هناك لغط حول هذا المفهوم وليس هناك مصطلح اسمه «الكتابة النسوية»، فالرجل فى بعض الأحيان يعبر عن قضايا المرأة أفضل من المرأة، فهل نعده كاتبًا نسويًا، والمصطلح يعبر عن قضايا تخص نوعًا معينًا، وأرى أنه مصطلح فيه إقصاء وتحديد، وهناك من يقدمون مسرحًا للمرأة أو النصوص المسرحية النسوية أو المهرجانات النسوية، ولهم كامل الاحترام، ومن الممكن أن أكتب عنهم ولكنى لا أحبذ أن أصنف ككاتبة نسوية، لأننى أكتب عن القضايا الإنسانية، وأحيانًا يطلق على أعمال أنها نسوية؛ عندما تكون المؤلفة أو الممثلة امرأة وكل عناصر العمل من النساء فيطلق عليه «عمل نسوى».
■ ما أبرز المحطات الفنية فى مشوارك المسرحى؟
- أول النصوص التى كتبتها «نوبة رجوع»، حصلت به على الجائزة الأولى فى مسابقة تيمور المسرحية، ثم كتبت بعده أول نصوصى فى مسرح الطفل «استغماية» وحصلت به على جائزة الهيئة العربية المسرحية، وهناك محطات انطلاق أخرى، ومنها أول النصوص التى أكتبها بالعامية «السرير.. جنة هنا» الذى حصلت به على جائزة التأليف فى المهرجان القومى فى الدورة الماضية، فالجوائز لا تدفع المؤلف للكتابة ولكنها تدفعه للاستمرار.
ما رأيك فى مسابقات التأليف فى الفترة الحالية وهل بالفعل تكشف عن مواهب بارزة؟
- بالفعل هى تلقى الضوء على مبدعين ولكننا لا نستغل هذه الاكتشافات بشكل جيد، فالغالبية العظمى من المخرجين يقومون بعملية تدوير للنصوص، وعندما يقدم أحد المخرجين عرضًا مسرحيًا جيدًا، يقوم بعض المخرجين بإعادة تقديمه مرة أخرى، ونجد مجموعة من النصوص مكررة لدرجة تصل إلى الاستهلاك، والمخرج المتميز هو الذى يأخذ نصًا جديدًا لكاتب جديد أو كاتب قديم ويبدع فى إخراجه، حتى لو لم ينل استحسان النقاد ولكن علينا تشجيعه، لأنه بادر بتقديم الجديد، وهذا بالأخص للنصوص التى تكتب باللغة العربية، فمن الصعب أن نجد اللغة العربية مهجورة فى المسرح، ولا يقبل عليها الكثير من المخرجين، لأن الممثلين ما عادوا بنفس القدرة فى التمكن فى اللغة العربية ككبار الممثلين والمسرحيين فى الماضى، فحينما يرفع المفعول وينصب الفاعل لن يصل المعنى.