جمعة الشوان: خدعت شيمون بيريز.. وفقدت«عينًا»فداء لمصر
بعد ٣ أيام من إغلاق القضية من المخابرات العامة المصرية، وإرسال رسالتها الشهيرة، يوم الأربعاء الموافق ٢٢ ديسمبر ١٩٧٦، التى تقول: «من المخابرات المصرية إلى الموساد الإسرائيلى، نشكركم على حسن تعاونكم معنا»، نشرت جريدة «الأهرام»، فى عددها الصادر يوم السبت ٢٥ ديسمبر ١٩٧٦ خبرًا فى صفحتها الأولى بعنوان: «مصرى خدع مخابرات إسرائيل طوال ثمانى سنوات».
وقتها، لم يكن الأمر مسبوقًا، فلم تُنشر قصة كهذه فى أى صحيفة مصرية من قبل، خاصة أن نتائجها كانت كبيرة وضخمة للغاية، ومنها الحصول على جهاز متطور للإرسال، وصل ثمنه إلى ٢٠٠ ألف دولار، وذلك فى العملية التى تمت تحت إدارة ضابط المخابرات والمحافظ والوزير الأسبق اللواء عبدالسلام المحجوب، أحد قادة جهاز المخابرات العامة المصرية وقتها.
وفى احتفالية كبيرة أُقيمت فى عام ٢٠٠١ بقرية «أبورجوان» القبلى بالبدرشين بمحافظة الجيزة، وحضرها نحو ٤ آلاف شخص، كما نشرت جريدة «الوفد» وقتها، كشف «أحمد الهوان» عن الاختلافات بين القصة الحقيقية ومسلسل «دموع فى عيون وقحة».
وأكد أن ما جاء فى المسلسل لا يمثل إلا نحو ٦٪ من الأحداث الفعلية والتجربة العصيبة التى مر بها مع المخابرات الإسرائيلية، التى فقد على إثرها البصر فى إحدى عينيه، وأُصيب فى قدميه بقصور نتيجة مرور سيارة من فوق جسده، ما أدى لتمزق فى شرايين القدمين.
وأوضح «الهوان» أنه كان يملك شركة سياحة منذ عام ١٩٥٨، وكان مقرها فى الدور الثالث بعمارة «الإيموبيليا» بشارع شريف، قبل معرفته أو عمله فى المهمة، لكنها أُغلقت فى عام ١٩٩٠.
وأشار إلى أنه نجح خلال العملية فى إحضار جهازين، لا جهازًا واحدًا، كما جاء فى المسلسل، قائلًا: «حينما سُئل شيمون بيريز عن ثمن أحد الأجهزة رد: ثمن الجهاز الواحد أغلى من الـ١٨ ضابطًا الموجودين بقاعة مبنى الموساد، لأنه لا مثيل له فى العالم».
ولفت «الهوان» إلى أنه تعرف على ضباط المخابرات المصرية أيام حكم الرئيس جمال عبدالناصر، الذى التقاه وأعطاه موافقته على العمل داخل إسرائيل لصالح مصر، وبعدها سافر إلى إيطاليا، والتقى ضابط المخابرات الإسرائيلى «جاك»، الذى أوصله إلى ضابط آخر أعلى منه رتبة يدعى «إبراهام».
وأضاف، فى حواره لجريدة «الجماهير» فى عام ٢٠٠٦: «كانت هناك فتاة جميلة تتبع خطواتى بمجرد الوصول إلى إيطاليا، ومن عادة الموساد فى التجنيد استخدام النساء الجميلات والمال لإغراء العملاء وسرعة تجنيدهم».
وبعدها عاد «الهوان» للقاهرة، وتوجه إلى ضباط المخابرات المصرية، وأبلغهم بما يريده منه جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد» من معلومات، وسُمح له بالتجول للحصول على ما يريد من معلومات.
وتابع: «كان هذا أول عوامل نجاح المهمة، لكى أتعرف على الواقع وأستطيع الإجابة عن أسئلة دقيقة للغاية، فمثلًا يسألون عن لون الرمال فى منطقة مثل السلوم فى وقت العصر، لأنهم يعرفون أن الرمل يتغير لونه حسب أوقات النهار، وكان لا بد من أن أعرف الإجابة».
وكشف عن أنه كان يرسل خطابات للموساد تتراوح بين ١٥ و٣٠ خطابًا فى كل شهر، مقابل مبالغ خيالية عن كل خطاب، وكانت معظم الخطابات وقتها تحمل معلومات عسكرية، وتجرى صياغتها كلها تحت إشراف المخابرات المصرية.
وأشار إلى أنه كان يسجل معلومات صحيحة عن إحدى القوات العسكرية، لكن قبل أن يرسل الخطاب كانت القوات تنتقل، وتحل محلها هياكل خشبية، وكان الموساد يبتلع الطُعم، لأن الطائرات الإسرائيلية كانت لا تستطيع التفريق بين الهياكل الخشبية والقوات الحقيقية.
كما روى «الهوان» أن «الموساد» الإسرائيلى طلب منه أن يعمل فى القاهرة فى مجال التجارة، وأن ينشئ سلسلة محلات، وأصر «الموساد» على ذلك للتعرف على الأوضاع التموينية فى البلد، ومدى توافر السلع الاستراتيجية، مثل الدقيق والسكر والزيت، وبالفعل تم ذلك، وأرسل له خطابات تمت صياغتها تحت إشراف المخابرات.
وخلال تلك الفترة، تعامل أحمد الهوان مع عدد ممن أصبحوا فيما بعد قادة فى إسرائيل، على رأسهم شيمون بيريز وعزرا فايتسمان، بالإضافة إلى ليفى أشكول وبنيامين أليعازر وشلومو بن عامى وموشيه دايان وجولدا مائير.
وعن مهمته التى حصل فيها على جهاز إرسال من الموساد، قال «الهوان» إن ضابط المخابرات عبدالسلام المحجوب، الذى عرفه وقتها باسم «الريس زكريا»، وضابطًا آخر عرفه باسم «الحاج أحمد»، طلبا منه قبل شهر من حرب أكتوبر أن يضع على الخطاب الذى سيرسله للإسرائيليين رقم ٢٨، فأخبرهما بأن الخطاب هو رقم ٢ فى ذلك الشهر، لكنهما طلبا منه تنفيذ التعليمات، وإقناع المخابرات الإسرائيلية بأنه أرسل إليهم ٢٨ خطابًا فى هذه الفترة.
وأضاف «الهوان» عن ذلك: «بعدها أخبرنى الرئيس زكريا بأن إسرائيل تمتلك أحدث جهاز إرسال فى العالم ويتمنى أن يحضره إلى مصر».
وبالفعل تم تدريبه على مهمته جيدًا، وسافر بعدها إلى إيطاليا للقاء أحد ضباط الموساد، الذى أخبره بالسفر إلى «البيت الكبير»، أى «إسرائيل»، وهناك قابل شيمون بيريز وعزرا فايتسمان، وقالا له إنه لم يرسل سوى خطابين فقط، فلماذا يدّعى أنه أرسل إليهم ٢٨ خطابًا؟.
وتابع: «قلت لهما إننى أرسلت لكم ٢٨ خطابًا، ولو هتاكلوا حقى فلن أتعامل معكم، ما ذنبى؟ أنا وضعت الخطابات فى البريد».
وأكمل: بفضل الله ثم ضباط المخابرات المصرية وتدريباتهم استطعت إقناع الإسرائيليين بأننى أرسلت إليهم ٢٨ خطابًا وأنهم ظلمونى فى الأتعاب، وفعلًا حاسبنى الموساد على الخطابات الـ٢٨، ووجدوا أنه ما من سبيل إلا تسليمى جهاز إرسال لتفادى مشكلة البريد، وبالفعل بدأ «بيريز» و«فايتسمان» فى تدريبى على أحدث جهاز إرسال فى العالم.
استخدمت المخابرات المصرية الجهاز لإرسال معلومات إلى إسرائيل عن مواقع هيكلية، وكانت طائراتها تأتى لضربها فتصطادها الدفاعات الجوية المصرية، وكانت هذه هى الخطوة الأولى لحرب أكتوبر.
وبعد ٤ أيام من العبور، وصلت رسالة من جهاز الموساد إلى أحمد الهوان يطلب منه فيها السفر إلى إسرائيل، وطلب منه ضباطه فى المخابرات المصرية الموافقة على ذلك، لكنه قال إنه لن يسافر لأن هناك خطورة على حياته، ثم فوجئ وقتها بطلب الرئيس محمد أنور السادات لقاءه، وسأله: «كيف ترفض السفر إلى إسرائيل؟»، فوافق «الهوان» وسافر.
هناك فوجئ بتغيير جميع الأشخاص الذين كان يتعامل معهم فى تل أبيب، واستقبله ضباط جدد يراهم للمرة الأولى، وأعطوه جهاز إرسال جديدًا يمكنه الإرسال فى ٦ ثوانٍ فقط، وتم تدريبه عليه جيدًا، واستمر فى مهمته حتى عام ١٩٧٨.
وعن مسلسل «دموع فى عيون وقحة»، أوضح «الهوان» أنه اعترض على تجسيد الفنان عادل إمام شخصيته، واقترح أن يجسدها محمود مرسى أو فريد شوقى، لأنهما أقرب شبهًا إليه.