هل قتلت ندوات سمير سرحان فرج فودة؟
فى بداية مرحلة التسعينيات امتلأت الساحة المصرية بعدة تنظيمات دينية تشمل تنظيم «الجهاد» و«التكفير والهجرة» و«الجماعة الإسلامية» و«الناجون من النار» وغيرها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة التى قامت بعمليات كان هدفها إحراج الدولة، بقتل رجال الشرطة والأقباط، والأدباء والمفكرين والكتاب.
وفى مطلع عام 1992 ضبطت قوات الأمن لدى مجموعة من المتطرفين من جماعة الناجون من النار عدة قوائم تضم شخصيات مرموقة فى الدولة.
تضم القائمة الأولى عددًا من رموز الدولة، من بينهم اللواء عبدالحليم موسى، وزير الداخلية فى ذلك الوقت، واللواء زكى بدر، وزير الداخلية السابق، والذى تعرض قبلها لمحاولة اغتيال. واللواء أحمد رشدى، وزير الداخلية الأسبق، واللواء نبوى إسماعيل، وزير الداخلية فى بداية رئاسة حسنى مبارك فى ،1981 وقد سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال.
وتضم القائمة الثانية عددًا من الصحفيين الذين يتناولون موضوعات التطرف منهم سعيد سنبل، رئيس تحرير جريدة الأخبار، الكاتب أنيس منصور، مكرم محمد أحمد، سمير رجب، الدكتور فرج فودة، المستشار محمد سعيد العشماوى، والمفكر المعروف فؤاد زكريا. بالإضافة إلى عدد من الصحفيين الشبان ورسامى الكاريكاتير.
وتضم القائمة الثالثة أسماء عدد من الفنانين.
بدأ سمير سرحان منذ منتصف الثمانينيات فى المواءمة بين الخط السياسى للدولة، وما يترتب عليه من التزامات، وبين ما يريده المثقفون، ووقف فى المنتصف تمامًا، فكان يدعو فى ندواته بعض المثقفين من يسار السلطة، وبعض المثقفين من يمينها. وبدأ فى عقد المواجهات أو المناظرات بين رجال الدين وبين العلمانيين فى الوقت الذى كانت الجماعات المتطرفة تلقى بتهديداتها لكل من يعارضها.
وفى هذا الجو الملبد، حاول بعض المثقفين فى مصر التصدى لهذا التيار. وانتهز هؤلاء فرصة معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث تعقد عدة ندوات يحضرها عدد كبير من المثقفين. وفكر الدكتور سمير سرحان فى عقد مناظرة بين أنصار التيار الدينى فى مصر والتيار العلمانى الذى يتزعمه الدكتور فرج فودة فى ذلك الوقت، وذلك أثناء فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير عام 1992. وتم الإعلان عن ندوتين أو مناظرتين بين أنصار التيار الدينى والتيار العلمانى.
عقدت أول ندوة فى 12 يناير 1992 فى معرض الكتاب بالقاهرة، والثانية عقدت بنقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992.
كانت كلتا الندوتين بمثابة مصيدة للدكتور فرج فودة ليعلن آراءه أمام عدد من محدودى الثقافة المتربصين به. وهو الأمر الذى أدى لقتله.
كانت الندوة الأولى التى نظمها وأدارها الدكتور سمير سرحان، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، حول الدولة الدينينة والدولة المدنية، والتى كانت تضم الدكتور فرج فودة والدكتور محمد خلف الله من ناحي،ة وممثلين عن التيار الدينى وهم الدكتور محمد عمارة والمستشار الهضيبى من ناحية أخرى.
وقبل أن تبدأ الندوة توافدت أعداد هائلة من البشر لم يسبق لها مثيل فى أى ندوة من الندوات، توافدوا منذ الصباح الباكر، امتلأت المقاعد، وافترش الباقى الفضاء المحيط بالمكان، وفى بداية الندوة بدأت الهتافات الهادرة باسم الله والإسلام.. وأعلن الدكتور الغزالى عن أنه لا هتافات ولا صياح.
فى بداية الندوة، شعرت قوات الأمن بالفزع من تلك الآلاف التى زحفت، وبدأت تجمع نفسها، وتصل إلى المكان فى حشود متراصة، وكأنها متجهة إلى ميدان القتال، وصدرت الأوامر بإغلاق أبواب المعرض، وطلب المنظمون على المرور تحويل السيارات من أمام المعرض . وبدا أن هناك ترتيبا من جانب الجماعات الإسلامية لحشد أعداد كبيرة من مؤيديها وأنصارها، لحضور الندوة.
كان على الدكتور سرحان أن يتخذ قرارًا بإلغاء الندوة، وكان ينبغى فى تلك الملابسات التى ظهرت قبل بداية انعقاد الندوة أن يتخذ القرار بإلغائها، لعدم تكافؤ أنصار التيار العلمانى أمام أنصار التيار الدينى، الذى استعد تماما لتلك المواجهة.
والسؤال: إذا كانت الندوة كذلك، لماذا لم تتحرك أجهزة الأمن لتلغى المناظرة؟
ولكن سمير سرحان قرر أن عواقب إلغاء الندوة ستكون أشد ضررًا من إقامتها، وأن هذه الآلاف سوف تتحول إلى مظاهرة هادرة، وأن أعلام الحرية والديمقراطية المرتفعة فوق بوابة المعرض وساحة المكان سوف لا تكون لها أى قيمة.
كانت الندوة بمثابة المصيدة لفكر علمانى فى مواجهة فكر دينى. وهو ما حولها إلى حلبة ملاكمة على النظام الأمريكى، تكال فيها الضربات للخصم بلا هوادة، وفى النهاية يعلن الحكم انتصار الفريق الفائز بالضربة القاضية أو النقاط، ويعود الجميع إلى بيته، ويذهب المتباريان إلى المستشفى.
وفى يوم 27/5/1992 وقبل اغتيال فرج فودة بعشرة أيام، قال الدكتور محمد عمارة فى ندوة بنادى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عن الفقيد وعن د. فؤاد زكريا، وهما أطراف الحوار معهما فى ندوة نقابة المهندسين بالإسكندرية، وفى نفس موضوع ندوة معرض الكتاب عن العلمانية والإسلام «إنهما يرددان كلام أعداء الإسلام».
وفى يوم 11 يونيو 1992 توقف موتوسيكل بجوار سيارة الدكتور فرج فودة الأستاذ بكلية الزراعة والكاتب المفكر المعروف، وعند نزوله منها عاجله أحد راكبى الموتوسيكل بطلقات بندقية آلية، فسقط على الأرض، وأصابت الطلقة ابنه أحمد 14 سنة، وصديقا للدكتور اسمه وحيد رأفت ولاذ الجناة بالفرار.
أسرع سائق سيارة فرج فودة وأدار محركها وانطلق خلف الجانى حتى تمكن من الاصطدام بالموتوسيكل، وتمكن بمساعدة الأهالى من القبض على راكب الموتوسيكل، وتبين أنه طالب مفصول من المعهد الفنى الصناعى بالمطرية، ومتزوج ويقيم فى الزاوية الحمراء، ويعمل كهربائيا، وسبق ضبطه فى تنظيم الجهاد عام 1981 ومفرج عنه حديثًا.
وعقب اغتيال فرج فودة، قرر عدد من الكتاب والمثقفين وأساتذة الجامعات والفنانين والصحفيين ورجال العمال والقيادات المهنية فى مصر تشكيل اللجنة المصرية للوحدة الوطنية، ومهمتها خلق مناخ عام مصرى يليق بتراثها العريق، القائم على وحدة المصريين فى وطنهم.
وقد تحرك المثقفون فى مصر، وأدانوا الحادث، وكتب الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى قصيدة من ستين بيتًا بعنوان «شفق على سور المدينة» نشرها فى مجلة إبداع، كما كتب بدر الديب قصيدة يرثى فيها الفقيد، وكتب إدوار الخراط ولطفى الخولى فى مجلة إبداع التى تصدرها وزارة الثقافة، ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، وكتب غيرهم من الكتاب فى أماكن متفرقة.