رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شاعر إيطالى تعلم ست لغات دون معلم وقضى نحبه بالكوليرا

الشاعر الإيطالي جاكومو
الشاعر الإيطالي "جاكومو ليوباردي"

تحل اليوم ذكري ميلاد الشاعر الإيطالي جاكومو ليوباردي، والذي ولد في مثل هذا اليوم من العام 1798، وهو واحد من أشهر المتشائمين في القرن التاسع عشر، متجاوزا في ذلك معاصريه: الشاعر الإنجليزي "بايرون"، والفيلسوف الألماني الأشهر “أرثر شوبنهاور”.

 

فقد كان الشاعر الفيلسوف جاكومو ليوباردي أصدق الثلاثة تشاؤما وأحقا به. وصفه شوبنهاور ذات مرة بأنه “أخي الروحي” رغم أنهما لم يلتقيا أبدا، ودون أن يعرف جاكومو ليوبارديو أنه في ألمانيا قد عاش فيلسوف كبير تأثر به واستوحي من أفكاره.

 

أيضا كان الفيلسوف “نيتشه” يحفظ قصائد جاكومو ليوباردي عن ظهر قلب وقال عنه: “أعظم ثائر في العصر الحديث”، وقد صار أيقونة للحزن وقرين للشجن.

 

ولد جاكومو ليوباردي في العام 1798 والذي عرف بعصر التشاؤم، إذ كانت رائحة الموت والخراب تعصف بالقارة الأوروبية العجوز. وحلت بـ جاكومو ليوباردي الكثير من المحن والأسباب التي يمكن أن تنغص عيش أي إنسان وتحيله إلي كائن متشائم. فسنواته التسع والثلاثين التي عاشها، عاشها في خضم الألم والمعاناة مجهولا منعزلا غريبا عن ذاته وعن محيطه، ومزقته الحياة إلي أشلاء متناثرة، حيث جمع بين المتناقضات فمن عراقة النسب بجانب الفقر، وما بين النبوغ والعبقرية وقلة الحيلة، ومع ذلك الجسد المنهك الضعيف والخيبة في الحب.

 

أيضا تكالبت علي جسد  جاكومو ليوباردي الضعيف كل أمراض العالم، فمنذ أن فتح عينيه علي الحياة ظهر إعوجاج عموده الفقري وما يسببه من ألم، كما ابتلي بمرض عصبي غامض حير الأطباء في زمنه، وأصابه الصمم والعمي ليفتك به أخيرا وباء الكوليرا.

 

ومع كل ما أصاب وأحاط بـ  جاكومو ليوباردي إلا أنه كان ذا عبقرية شعرية وفكرية تباهي بها إيطاليا، حتي أن ملكاته الأدبية والشعرية كانت عوضا لأمراضه وعلله الجسدية.

 

كان والد جاكومو ليوباردي يعاقر الخمر والقمار مما تسبب في ضياع ثروته فانتقل من حياة العز والجاه إلي الفاقة والعوز. كان في بيته مكتبة ضخمة ضمت أمهات الكتب من كافة صنوف العلم والمعرفة والأدب، والتي كانت المتنفس الوحيد للطفل “ليوباردي” الذي التهم كل ما في مكتبة والده في سني حياته الأولي.

 

كما تعلم في صباه ست لغات بدون معلم وهي اليونانية والعبرية والفرنسية والألمانية والإنجليزية فضلا عن اللغة اللاتينية التي مكنته من قراءة جل مأثورات الإغريق واللاتين بلغتهم الأصلية. وهو ما انعكس وظهر بوضوح في أشعاره التي حفلت بالعديد من المفرادت والألفاظ القديمة التي لم تعد تستخدم والتي أخذها من اللغتين الإغريقية واللاتينية. 

 

كما كانت القراءة هي العزاء الوحيد لـ جاكومو ليوباردي، حتي أنه عندما ضعف بصره كان يقول لأصدقائه مشتكيا: “لم أعد أقرأ في اليوم إلا ست ساعات فقط”، ومع الوقت فقد بصره تماما ولم يعد قادرا علي القراءة بالمرة، إلا أن بعض من أصدقائه كانوا يقرأون له وهو ما لم يدم طويلا لأنه فقد سمعه أيضا، وبالتالي حكم عليه بألا يقرأ أو يسمع، وأن يقضي أيامه في قرية منعزلة بائسة لا يشغله فيها شاغل غير التفكير الذي أنهكه بمتاعب مضاعفة فوق آلامه الجسدية.

ــ جاكومو ليوباردي يرفض الربط بين آلامه وفلسفته

رفض جاكومو ليوباردي ربط النقاد والقراء بين أفكاره وأعماله وأشعاره وآرائه الفكرية والنقدية، وبين آلامه الجسدية وأمراضه وعلله، وقال: “أريد من قرائي نقادي أن يهتموا بما أكتب، بدلا من الاهتمام بأمراضي وبصحتي الجسدية”، إلا أن المتتبع لسيرة جاكومو ليوباردي وأفكاره الفلسفية التي صبغت بالتشاؤم لا بد وأن يجد أثرا لحالته الصحية بتلك الأفكار ورابطا بينها.

 

ومن أهم مؤلفات جاكومو ليوباردي الشعرية مجموعاته: “الفكر المسيطر”، “حب وموت”، “إلي ذاته”، “كونسالفو”، “أسباسيا”، “غروب القمر ونبتة الزوال”، و"الأبدية".