إلى وزير التموين.. د. سهير نظمى تريد حلًا!
تطاردنى د. سهير نظمى، منذ فترة.. ترسل لى تقارير علمية.. وأخبارًا ومعلومات كلها تدور حول فكرة واحدة.. الاستفادة من «ردة» الأرز.. أو المادة البنية التى تتبقى بعد ضرب الأرز ليصبح أبيض اللون.. فى حياتى المهنية قابلت مئات من أصحاب الاختراعات والأفكار غير الحقيقية، لذلك فإن أول رد فعل لى ولأى إعلامى مصرى يكون غالبًا هو «الطناش» أو «تكبير الدماغ» على حد التعبير الشهير.. لكن بعد قليل تنبهت حاستى الصحفية لعدة أمور.. أن الدكتورة سهير نظمى أستاذ ورئيس قسم فى معهد تكنولوجيا الأغذية التابع لوزارة الزراعة المصرية، وبالتالى فالاكتشاف الذى تتحدث عنه داخل فى نطاق تخصصها أو هو من صميم صميم تخصصها، وهذه فكرة أحببتها جدًا أن «يفتى» كل منّا فيما يعلم وليس فيما لا يعلم.. وأن يحاول إفادة المجتمع بالحديث فيما درسه.. فيما يفهم فيه وليس فى موضوع «التريند» و«الهرى» اليومى.. أما ثانى العلامات التى أيقظت حاستى الصحفية فهو أن هذه الباحثة المصرية أخبرتنى بأنها حاصلة على «الماجستير» و«الدكتوراه» فى نفس الموضوع الذى تتحدث فيه!! أى أنها تتحدث عن علم وعن دراسة وعن تطبيق لأنها أستاذ ورئيس قسم بحوث تكنولوجيا المحاصيل.. ورغم كل ذلك لا يسمعها أحد! ولا يصدقها أحد! إن فكرتها ببساطة أن «رجيع» الأرز أو «ردة الأرز» تحتوى على مادة ضارة تجعل من المستحيل استخدامها كغذاء لكن الأبحاث العالمية تمكنت من معالجة هذه المادة واستخدام «ردة الأرز» فى إنتاج نوع من أنواع الزيوت.. التى يمكن أن تساهم فى حل أزمة الزيوت العالمية.. إن الباحثة سهير نظمى تقول ببساطة إن الفكرة تم تطبيقها فى دول جنوب شرق آسيا وإنهم استخرجوا الزيوت بالفعل.. وإنهم يصدرون لنا هذه الزيوت فى مصر! وإنها تباع فى محال السوبر ماركت الكبرى فى مصر بالفعل! وإن اللتر يباع بثمانين جنيهًا قبل الزيادة العالمية فى أسعار الزيوت، وإن هذا الزيت يحمل اسمًا علميًا هو «زيت رجيع الكون».. والأخطر أنها تقول إن ردة الأرز بعد معالجتها يمكن أن تدخل فى تكوين رغيف الخبز، والمعنى بالنسبة لى أن ما أقوله ليس محض فكرة خيالية ولكنها حقيقة واقعة.. فكرة تم تنفيذها.. وأنها كباحثة وطنية تريد أن تفيد بلدها بهذه الفكرة.. لكنها على ما يبدو مثل كثير من أصحاب الأفكار الجديدة فى بلدنا.. لا تجد من يسمعها.. أو يفتح لها الأبواب.. بالعكس تمامًا.. ربما تجد من يغلق أمامها الأبواب.. لقد حاولت أن أتقصى الموضوع وأرسلت أسأل صديقًا فى وزارة الزراعة «لماذا لا تستفيدون بهذه الفكرة؟» غاب الرجل يومًا واحدًا وعاد ليقول لى ما معناه أن «مدام عفاف» التى فى الدور الرابع غير موافقة.. وأن السيد «عبدالروتين» يرى أن البحث تنقصه ورقة دمغة.. وأن المسئول الذى طرحت عليه الباحثة فكرتها أجابها بالإجابة الشهيرة «فوت علينا بكرة يا سيد»!!!
وعندما عدت للباحثة سهير نظمى بالإجابة قالت إن المديرين فى وزارة الزراعة لم يصبروا عليها كى تشرح نتائج أبحاثها، فـ«ردة» الأرز ضارة بالفعل.. لكنها تمكنت من إزالة الإنزيم الضار فأصبحت مادة نافعة، وإن الفكرة تم تطبيقها فى مضرب أرز مصرى قطاع خاص ونجحت بالفعل! وتم نزول المنتج للسوق المصرية!.. لكن مسئولى وزارة الزراعة ما زالوا فى حالة عدم اهتمام.. وعدم اقتناع.. وعدم تصديق!
إننى بكل تأكيد لست جهة اختصاص علمية.. ولكننى أرى أن المسئولين لدينا يجب أن يفسحوا مجالًا من أوقاتهم للاستماع للأفكار الجديدة وأن يتعاملوا مع الباحثين المؤهلين علميًا بالجدية الواجبة.. وأرى أننا فى ضوء أزمة الغذاء العالمية يجب أن نقرأ بحوث مراكز الأغذية الرسمية بالسطر الواحد وبالحرف الواحد.. وأن نستخرج كل البحوث القديمة عن واقع الغذاء فى مصر ونعيد قراءتها وإحياءها وتطويرها.. والأهم أن نساعد الفاشل حتى ينجح لا أن نحارب الناجح حتى يفشل كما كان يقول د. زويل رحمه الله.. فأحد الأبحاث قد يحتوى على فكرة لامعة لكنه يحتاج لمزيد من التجارب حتى يثبت نجاحه.. هنا لا بد أن نتدخل لنساعده بدلًا من أن تتدخل البيروقراطية لوأده والتقليل من شأنه ومن شأن صاحبه.. لأن الفكرة إذا نجحت ستوفر لنا مليارات.. وإذا فشلت فلن تكلفنا شيئًا كثيرًا.. لقد تحمست للكتابة عن د. سهير نظمى وفكرتها بعد أن طالعت الأخبار عن استخدام دقيق البطاطا كأحد مكونات رغيف الخبز المصرى، وهى بكل تأكيد فكرة ناتجة عن بحث علمى لا يختلف فى شىء عن بحث د. سهير نظمى.. وأراهن أن «مدام عفاف» التى فى الدور الرابع لو عرضت عليها الفكرة قبل الإعلان عن تطبيقها بيوم واحد لسخرت منها ومن صاحبها، لأنها مخالفة لما اعتادت عليه.. لأننا كمصريين عمومًا لا نقبل الإصلاح إلا إذا أتى من صانع القرار.. ولا نسمح للزهور أن تتفتح بقدر ما نفكر فى قتلها واقتلاعها من جذورها ورميها خارج حدود نفوذنا.. إننى أطالب وزير التموين د. على المصيلحى، بمقابلة د. سهير نظمى الباحثة فى مركز بحوث الأغذية التابع لوزارة الزراعة، والاطلاع على بحثها ومناقشته من قبل المختصين، وإخبارها بأنها إذا أصابت فلها أجران وإذا أخفقت فلها أجر الاجتهاد.. وإنها فى كل الأحوال مشكورة كسيدة مصرية تنشغل بالعلم والأبحاث ولا تشغل وقتها بـ«هرى الفيسبوك» ولا وصفات الشيف شربينى ولا تهريج الشيخ قفة.. لذلك يجب تشجيعها والاستماع لها واحترام اجتهادها فى كل الأحوال.. فبمثل د. سهير نظمى تتقدم الأمم لا بأى شىء آخر.