الاستخدام السياسى لداعية «القفة»
بقدر ما كانت بشاعة مقتل الطالبة «نيرة أشرف»، الطالبة بجامعة المنصورة، بقدر ما كانت ردود الفعل المحيطة بالحادث كاشفة وبعضها لا يقل بشاعة عن جريمة القتل نفسها، إذ كان قتلًا معنويًا يغتال حق الضحية فى اختيار حياتها وما كانت عليه قبل مقتلها.. وكان من أكثر هذه التداعيات بشاعة ظهور رد فعل يميل إلى تحميل الضحية الذبيحة مسئولية ذبحها ويلتمس العذر لقاتلها الشرير أسود القلب مجرم العقل مختل النفس.. ولعل أسوأ ردود الفعل كان ذلك الذى صدر من أستاذ فى جامعة الأزهر احترف تقديم البرامج التليفزيونية حتى انجرف فى تيارها فغلب على أدائه الطابع الهزلى الذى كثيرًا ما اتسم بالترخص والابتذال والرجعية أيضًا.. حيث قادته رغبته فى تقديم معالجة سريعة للحادث يركب بها التريند، على حد التعبير الشائع مؤخرًا، لأن يقول رأيًا مفاده أن الذبيحة هى المسئولة عما حدث لها لأنها كانت غير محجبة!! وأن كل فتاة عليها أن ترتدى الحجاب حتى لا تُقتل!! وأن تخرج من منزلها وهيئتها على هيئة «قفة»!!! وهو رأى يكشف عن نقص فى العلم وخلل فى طريقة التفكير وانتهازية مقيتة يميل فيها ذلك الأستاذ الجامعى إلى مجاراة أفكار العامة ومغازلتها بدلًا من أن يقودهم هو بعلمه نحو طريقة تفكير منطقية ورشيدة، وبدلًا من أن يسلك الرجل سلوك الراشدين عندما تزل أقدامهم ويعتذر عن زلة لسانه.. خرج يزايد ويدعى أنه يدافع عن الحجاب لأنه فريضة فرضها الله.. رغم أن سلوك الرجل يدل على أن الدين ليس قضيته من قريب أو من بعيد، فقد تحول منذ سنوات طويلة لإعلامى محترف لا يتحدث إلا إذا حصل على أجره ولا يعتلى المنبر إلا إذا جمع له المصلون مبلغًا من النفحات والعطايا ومنحوه له فى ظرف أبيض.. وبالتالى فإن مزايدته فى موضوع الحجاب وكأنه صاحب قضية ليس سوى دليل على ميله للكذب والتدليس، ولعله فكر فى كون الحجاب فرضًا وهو يسحب نفسًا من دخان سيجارته الأمريكية التى يدخنها سرًا على اعتبار أن المتشددين الذين يغازلهم يعتبرون التدخين كبيرة من الكبائر.. وهو لا يريد أن يغضبهم أو يخدش صورته فى أذهانهم سعيًا لتحقيق المزيد من الأرباح.. ولعل المأساة أن هذا الرجل الذى لا يهمه سوى الظهور والأرباح والمشاهدات لم يعِ أن هناك فرقًا بين «الحجاب» وبين «الاستخدام السياسى للحجاب» الذى تمارسه الجماعات الإرهابية التى يدعى كذبًا أنه يحاربها ويصطف خلف الدولة فى حربها معها.. لكن زلة لسانه والموقف المفاجئ كشفا انتهازيته واستعداده لأن ينام فى فراشين فى ليلة واحدة ما دامت المصلحة المادية تقتضى ذلك.. الحجاب كزى فى الشارع المصرى أصبح زيًا شعبيًا.. وبالتالى فليست المشكلة فى ارتدائه.. فلا أحد يمنع أى مصرية من ارتداء الحجاب.. المشكلة فى الاضطهاد الذى يمارَس ضد من لا ترتديه! والذى وصل إلى حد تبرير قتل من لا ترتديه، وهى فتوى داعشية بامتياز حتى وإن صدرت عن شيخ هزلى يقدم نفسه وكأنه منافس لمحمود شكوكو فى فن المونولوج.. مشكلتنا إذن ليست مع الحجاب ولكن مع الاستخدام السياسى للحجاب.. فالجماعة الإرهابية ظلت سنوات طويلة تعتبر انتشار الحجاب دليلًا على نفوذها فى الشارع المصرى.. رغم أن مئات الآلاف من المحجبات كن وما زلن ضد الجماعة.. والحجاب نفسه كزى كان يتم توزيعه مجانًا على طالبات الجامعة فى السبعينيات على يد عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح ضمن خطة إحياء الجماعة بإرادة أمريكية وخليجية لتغيير وجه الحياة فى مصر كما أثبتت الوثائق فيما بعد.. وأذكر أنه فى جنازة مرشد الإخوان مصطفى مشهور عام ٢٠٠٢ واجه مجموعة من شباب الإخوان نائب المرشد أحمد الملط بما اعتبروه مؤشرات لتراجع الجماعة وتخاذلها، فقال لهم: أنتم مخطئون.. انظروا لعدد المحجبات فى الشارع وستعرفون هل الإخوان فى تقدم أو فى تراجع.. فى نفس الوقت تقريبًا كانت الجماعة قد نفذت أكبر عملية اختراق للنخبة المصرية من خلال عضو قيادى بها تم الترويج له كأحد أبرز الدعاة الجدد مع خطة خداعية تقول إنه ترك الجماعة أو ليس عضوًا بها من الأساس.. وهى الكذبة التى كشفها الإخوان بالأدلة عقابًا للداعية بعد أن تخلى عنهم بعد سقوطهم أو قل «تظاهر» أنه تخلى عنهم.. هذا الداعية تسبب فى ارتداء عشرات الآلاف من المصريات من الطبقات الوسطى العليا الحجاب وفق مخطط أظنه مقصودًا ومسبقًا.. هذا الداعية روى والده فى كتاب أصدره عنه أن الأجهزة الأمنية انتبهت لخطورته فى بداية الألفية «عقب حملة قام بها كاتب هذه السطور فى مجلة روز اليوسف» فطلبوا منه التوقف عن ممارسة نشاطه، لكنه بعد هذا الطلب بدقائق تلقى أمرًا من مستثمر خليجى فى مصر بالسفر للندن حيث فتحت له استديوهات قناة «اقرأ»، ورصدت له المليارات، وتم تحويله إلى نجم جماهيرى عالمى مع تقديمه لدوائر المخابرات البريطانية والأمريكية وفق تقرير نشرته جريدة «التايمز» البريطانية وبررت به سلوك المخابرات البريطانية بأنها تسعى لـ«تربية» دعاة معتدلين يدينون بالولاء للغرب.. بالصدفة البحتة فإن كلًا من داعية «القفة» الذى يبرر قتل من لا ترتدى الحجاب وذلك الداعية الذى أوكلت له معمعة نشر الحجاب كانا يعملان فى قنوات غير مصرية ويحصلان على رواتب سخية للغاية مقابل هذه الخرافات التى يقنعون بها المصريات ويستخدمون فيها عواطف المصريين نحو الدين ورغبة المصرى فى أن يصون أهل بيته ويحفظهم.. وهذه كلها عواطف نبيلة ومحترمة، لكن هناك سماسرة من الدعاة يتاجرون بها ويبيعونها لمن يدفع.. وبالتالى فمشكلتنا ليست مع الحجاب ولكن مع الاستخدام السياسى للحجاب.. ومشكلتنا ليست مع الدين ولكن مع الاستخدام السياسى للدين.. ومشكلتنا ليست مع الدعاة ولكن مع قبول بعض الدعاة أن يتحولوا لأدوات رخيصة فى يد مَن يدفع.. ومشكلتنا مع بعض من يدفعون أنهم يريدون أن يتقدموا هم ونتأخر نحن.. رغم أننا أساس النور واحترام المرأة فى هذا العالم.. لا تأمنوا للشيخ قفة أبدًا.. فولاؤه للدولار، وصدق النبى الكريم حين قال: «تعس عبد الدينار.. تعس عبد الدرهم»، والشيخ «قفة» من أسوأ عبيد الدرهم والدينار فلا تأمنوا له.