ضرورة اقتلاع جذور العنف ضد المرأة
إذا كانت جريمة اغتيال طالبة المنصورة «نيرة» جريمة فردية، فإن ما تلا اغتيالها كان جريمة جماعية، كشفت وسائل التواصل عن حالات العنف المكبوت ضد المرأة أو البحث عن مبررات لقتلها أو التعليق على ملابسها «المحتشمة كما يبدو من الصور» وكأنها سبب اغتيالها، وتصاعد هذا الاتجاه المختل فى التفكير حين أعلن أحد الدعاة التليفزيونيين رأيًا بهذا المعنى وبطريقة لا تخلو من تندر واستخفاف دون مراعاة لبشاعة الجريمة وللحزن الذى ملأ قلوب المصريين على ما حدث والطريقة التى حدث بها.. تصادم هذا العنف المكبوت ضد النساء والمتجذر للأسف فى ثقافتنا الشعبية مع موجة وعى عالية بحقوق المرأة لدى الأجيال الجديدة من الشابات ولدى عديد من المثقفات المصريات وأسهمت فيه التطورات التى تشهدها مصر منذ ثورة ٣٠ يونيو وتوسع الدستور المصرى فى مواد المساواة بين الرجل والمرأة وسقوط التيارات المتطرفة التى كانت تعتبر التفرقة بين الرجل والمرأة أمرًا طبيعيًا فضلًا عن ثورة وسائل التواصل التى مكّنت النساء من تنظيم مظاهرة افتراضية فى الفضاء الإلكترونى ضد هذه الأصوات العنصرية التى تُحمّل الضحية الذنب وتكاد تبرئ الجانى من جريمته فى قلب واضح للأوضاع.. والحقيقة أننا لا بد أن نقتلع شجرة العنف ضد المرأة «وهو موجود بكثرة للأسف» من جذورها.. والجذور التى أقصدها هى الجذور الثقافية والتاريخية و«الدينية» لهذه الممارسات العنيفة ضد نسائنا.. وقد وضعت «الدينية» بين قوسين لأنها «دينية» بفهم المتطرفين للدين لا بفطرة الله التى فطر الناس عليها.. إن جذور العنف تعبر عن نفسها أكثر ما تعبر فى أمثالنا الشعبية التى نتربى عليها ونعتقد أنها تحتوى من الحكمة ما يستحق أن نتبعه ونسير عليه.. من هذه الأمثال مثلًا ذلك المثل القائل «اكسر لبنتك ضلع يطلع لها ٢٤» وهو مثل يحض الأب على ضرب ابنته والعنف فى تربيتها ظنًا أن ذلك هو الطريق الأمثل لتربية الفتيات تحديدًا، من تلك الأمثلة أيضًا ذلك المثل الذى يقول «يا جايب البنات يا شايل الهم للممات» وهو مثل يعيد للأذهان ممارسات وأد البنات فى بعض أنحاء الجزيرة العربية فى الجاهلية، ويعتبر أن إنجاب الفتيات فقط مدعاة للهم والحزن والمسئولية الزائدة، من الأمثال الأقل شيوعًا والأكثر عنصرية وإساءة للمرأة ذلك الذى يقول «المرأة أفعى متحزمة بإبليس» وهو بلا شك متأثر بالرواية التوراتية عن دور حواء فى خروج آدم من الجنة.. من تلك الأمثال أيضًا مثل يقول «عقربتين ع الحيط ولا بنتين فى البيت» وهو يتهم الفتيات بالمكر والأذى لدرجة أن العقارب أصبحت أقل ضررًا منهن وهناك طبعًا أمثال أكثر لا مجال لحصرها كلها وإن كانت تكشف عن تجذر العنف ضد المرأة فى العقلية الجمعية للمصريين تأثرًا بالرواية الدينية التى تقول إنها سبب نزول آدم من الجنة ومن ثم سبب شقاء الإنسانية كلها رغم أن الأمر يحتمل تفسيرات متعددة بخلاف هذا التفسير.. وإذا تركنا أمثالنا الشعبية وانتقلنا لكتب الموروث الدينى وتحديدًا كتب الحديث فإننا سنجد العديد من النصوص التى تُستخدم فى الإساءة للمرأة من قِبل متطرفين لا يعرفون ما هو القياس ولا يراعون الظرفين التاريخى والثقافى اللذين قيل فيهما الحديث ويضاعف من صعوبة الأمر أن اجتهادًا واضحًا لم يصدر تجاه هذه الأحاديث رغم توسع الأزهر مؤخرًا فى اتجاه ممكن وصفه بـ«التقدمى» تجاه قضايا المرأة وإن كان فى حدود ضيقة.. من هذه الأحاديث مثلًا ذلك الحديث الذى يصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين، أو بأنه لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، أو ذلك الذى يقول إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان، أو أن أغلب أهل النار من النساء، ورغم وجود أحاديث نبوية شريفة تؤكد على ضرورة الرفق بالمرأة وإكرامها ورعايتها.. إلا أن كلتا المجموعتين من الأحاديث موجودة فى نفس كتب الحديث وهو ما يتيح للمتطرفين استخدام أحاديث العداء للمرأة فى مواجهة خطاب الرفق بالمرأة.. والحل فى دعوة واضحة للاجتهاد فى هذه المسألة بالطريقة التى يراها العلماء مناسبة وحسمها بحديث واضح وتفسيرات لا تقبل اللبس وفى قانون يجرّم الإساءة للمرأة أو المس بحريتها التى كفلها القانون والدستور وبالتوسع فى تطبيق خاص بنجدة المرأة ضد جرائم التعرض والتحرش والعنف العائلى، وهى للأسف كلها جزء من واقع تعيشه المرأة فى مجتمعنا هذه الأيام جراء نصف قرن استهدفها فيه بعض الدعاة المؤثرين وبعض التيارات التى تم تمكينها من الشارع المصرى بتمويلات وإمكانات ضخمة للغاية.. ولا شك أن هذا مع عوامل أخرى مثل تراجع التعليم والثقافة قد أحدث أثره السلبى الذى لا نملك سوى مقاومته والسعى لتغييره ونشر الوعى بضرره البالغ على المجتمع على أن تكون الخطوة الأولى هى اقتلاع الجذور الثقافية للعنف ضد المرأة.