خارج المنهج.. مع الآيس كريم والعيش
هل نستطيع الرجوع إلى الزمن الماضي؟ وكيف يمكن أن نتخيل شكل الحياة والكلمات والتحديات فى الماضى؟
الفن هو آلة الزمن.. التى تستدعى وتعكس ثقافة الماضى حسب كل فترة زمنية بملامحها ومشاكلها وقضاياها وحكاياتها. ومن خلال الروايات والمسلسلات والأفلام وكلمات الأغانى.. نستطيع أن نقترب من صورة مجسدة لتلك الفترة عن قرب ونتعرف عليها.
عندما عرض فيلم "محامى خلع" بطولة هانى رمزى وراندا البحيرى والفنان القدير حسن حسنى.. كانت هى المرة الأولى - حسبما أتذكر - التى تتناول فيها الدراما قضية الخلع بهذا الشكل الفنى والكوميدى. وكان السؤال الرئيسى فى الفيلم: لماذا تريد "راندا البحيرى” الخلع؟ وكانت إجابتها مباشرة لأنه "بيشخر".. نعم يا فندم.. "بيشخر"..
تعجب هانى رمزى "المحامى” صاحب المرجعية الريفية وابن العمدة، واستنكر ما سمعه من موكلته، بل وزايد عليها بسخرية "ده تسيب.. ده انحلال.." وتساءل: إزاى رجل محترم يشخر فى بيته وهو نايم؟
وكان رد فعله: (تمام يا مدام.. أنا هدافع عن جوزك؟) وأيضاً: (والله لو كنتى مراتى لكنت أدبتك.. وجبتلك شخارة بالكهربا..)
وبعد ذلك، تحول المحامى صاحب العقلية الذكورية إلى محام مودرن. ولكن بالعقل والأفكار نفسها.. والتى جعلت أكثر الجمل فكاهة هى التى كانت بمثابة جرس إنذار للعمدة أبوالأستاذ المحامى عندما قيل له "الحق ابنك.. قبل ما يغمس الآيس كريم بالعيش". وهى إسقاط على الواقع الدرامى والكوميدى للهندسة الإنسانية من خلال طبيعة الشخصية الريفية بصفاتها وسماتها الخاصة المنبثقة من الهندسة الاجتماعية.
وسقطت "العباية".
وعلى الشاطئ الآخر..
خرج علينا وزير سابق بتصريحات غريبة وعجيبة عن المرأة المصرية فى إحدى القنوات الفضائية، التى اختزل فيها عمل الزوجة العاملة الكادحة التى تسعى لتربية أطفالها ومساعدة زوجها ومساندته فى تحمل أعباء الحياة ومشاكلها.. على أنها "بتشخر"..
وزير خلع.. يخرج عن المنهج..
ظاهر التصريحات أنه مع المرأة المصرية، ولكن مضمونها ضدها تماما. كما حدث تناقض فى الإجابات بين تصريحه الغريب أن الفراعنة.. كانوا ضد عمل المرأة، وفى نفس الوقت الإشادة بمكانة المرأة فى مصر القديمة كطبيبة وقاضية، وبين رفضه عمل المرأة!!
نقطة ومن أول الصبر..
لقد وقعنا فى الفخ.. "الخلع سببه أن الست راحت تشتغل.. وتيجى مهدودة.. تنام وتشخر.. والراجل ميعرفش ينام بالليل".. حسب تصريحات الوزير السابق.
لا يمكن اختزال الخلع وأسبابه فى "تشخير المرأة العاملة".. بغض النظر عن تداعيات الخلع.. فهو اختزال.. يمثل إساءة بالغة لها لأن الخلع يعتبر وسيلة من الوسائل القانونية التى كفلها المشرع المصرى باعتبارها حلاً للكثير من قضايا الأحوال الشخصية حتى لا يقع الظلم على المرأة من رجل غير سوى، وحتى لا يتم إجبارها على البقاء فى علاقة زوجية ترفضها بسبب ما وقع عليها من ظلم وقهر واستباحة لحياتها واستحلال لأموالها من عملها.
نتحدث عن حقوق المرأة ونطالب بها، وفى زلة لسان نعصف بكل تلك الحقوق بشكل مطلق.
أحياناً كثيرة.. من يتكلم عن حقوق المرأة.. لا يكون لديه فهم حقيقى لتفاصيل التحديات التى تقابلها المرأة المصرية، وليست لديه معرفة حقيقية بما يمارس ضدها من العقلية الذكورية بمساندة بعض القوانين والروتين.. والنتيجة تكريس التمييز ضدها... دون قصد.