المثقفون والحوار الوطني
منذ أن أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الدعوة إلى إطلاق "حوار سياسي" مع كافة القوى بدون استثناء ولا تمييز، وذلك خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان/ مايو 2022, كما طلب سيادته رفع نتائج هذا الحوار له شخصيًا. شملت دعوة السيسي - التي تعد الأولى من نوعها - مشاركة سياسيين محسوبين على المعارضة, من بينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي, والصحفي ورئيس حزب الدستور السابق خالد داود، وتزامنت مع الدعوة إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق سراح العشرات بينهم سياسيون وصحفيون ونشطاء. فكرة الحوار الوطني، فكرة جميلة وراقية من حيث نوع من المشاركة في الحكم، وتعتبر إحدى مميزات الديموقراطية التي اختارتها كل المجتمعات الراقية. أي حوار في أي مجال، هو ظاهرة صحية، يضم مجموعات واسعة من مكونات أى مجتمع، فإن من يمثل طبقة أو حزبًا، أو جماعة أو فئة، لا يعيبه أن يتبنى مصالحها ومطالبها ووجهات نظرها، وتقوم على فكرة تبادل الآراء، والرأي الأقوى حجة هو الرأي المعتبر. هنا يختلف المثقف فى أدائه وطبيعة مشاركته، عبر امتلاكه القدرة على تكوين نظرة موضوعية شاملة، تتخطي كل الأفكار المطروحة إلى مدارك أوسع وآفاق تتسع فى تعبيرها عن القضايا المطروحة، مما يوسع نطاق الرؤى، لأن المثقف يركز على العام والكلى، ثم إن طرحه ـ فى الغالب ـ يتضمن تصورات مستقبلية من شأنها إثراء الحوار، ونقله إلى مستويات تدرك الواقع، وفى ذات الوقت تتباعد عنه لتقترح بدائل من أجل التغيير للأفضل. المثقفون والأدباء يريدون أن تخرج فكرة الحوار بقرارات تحقق السلام والأمن والاستقرار، وبناء وطن يتسع للجميع، تتحقق فيه المواطنة المتساوية، وأن تظهر قيم التسامح والعدالة والمساواة، وتحقيق التنمية والبناء، وإنقاذ البلاد من الأزمات الاقتصادية العالمية، والارتقاء بمؤسسات الثقافة والتعليم، والتوسع في ساحات الإبداع للمبدعين، وأن يعيش المثقف معززًا مكرمًا يتمتع بحياة كريمة وعطاؤه متداول ويكون له وجود محلي وعربية. يتمنى المثقفون للمواطن المصري أن يكون شامخ الرأس أينما كان، مؤهلًا مسلحًا بمشروعه الخاص وتطهير البلاد من الفساد والمفسدين. ويؤكدون على ضرورة أن تشهد الأيام القادمة تدشين ثورة ثقافية حقيقية، تعمل على إجراء تغيير حقيقي في الأساليب المطروحة، يقودنا نحو الأفضل بعيدًا الفتن الطائفية ومحاربة التطرف، مع ضرورة الاستفادة من الدروس التاريخية ومعرفة عظم الرسالة التي يحملونها. نتمنى صياغة مشروع قومي للثقافة المصرية، يشمل كل عناصر الثقافة من تراث تاريخي عريق، وحاضر يشع بالقيم العليا، ومستقبل عريض، ينعم فيه أبناءنا وأحفادنا بمستقبل أرحب وأكثر سعة. عندما نتحدث عن الثقافة المصرية، نتحدث عنها كسلوك عام ونمط اجتماعي ووعى معرفي وهذا يعنى التعليم والإعلام والثقافة حزمة واحدة، فالتحديات أكبر بكثير من أن تواجهها الحكومة بمفردها. فلابد أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقة قادرة على قبول المشاركة الشعبية الحقيقية للنخب الثقافية الحقيقية والخبراء المتخصصين فى شتى مجالات المعرفة، لوضع رؤاهم وأفكارهم وخبراتهم موضع التنفيذ المثقف المصري بطبعه وتكوينه، وخصوصًا الأدباء الكتاب والشعراء منهم، يختلفون من باقي المثقفين من حيث ابتعادهم عن الأطر السياسية، والخضوع لتنظيمات سياسية ربما لا تتوافق مع تفكيرهم ونزوحهم الى التروي والبعد عن الصخب السياسي والجدال العقيم المميز للسياسيين. آن لنا كمثقفين مصريين، أن نحمل أمانة الكلمة، أن نتقدم إلى قيادتنا السياسية، ببعض المطالب لبناء صرح ثقافي مصري جديد، يتولى الريادة في بناء مشروع ثقافي في مصر، وفي منطقتنا العربية، لوضع أطر ثقافية جديدة تقوم على المبادئ التالية: - نبذ الطائفية أيا كانت في كافة ميادين الثقافة. - أن نعلى قيم ومبادئ حقوق الإنسان. - ان يكون الإنسان هو محور العمل الثقافي بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عقيدته. - نبذ كل المبادئ العنصرية التي تحض على كراهية الآخر أو تلك التي تؤدي إلى تقسيم أو زعزعة استقرار وطننا. - حرية العمل الثقافي والإعلامي. ومن هذا المنطلق نطالب بالآتي: - إلغاء وزارة الثقافة ووزارة الإعلام والاستعاضة عنهما بمجالس متخصصة، تشكل من مبدعين من مختلف الاتجاهات. - تحويل المؤسسات الثقافية الرسمية الحالية لمؤسسات لنشر الثقافة المصرية، وخدمة الكِتاب المصري، وإزالة المعوقات أمامه تصديرًا واستيرادًا، ونشره علي أكمل صورة. لعودتها كما كان في الماضي واحدًا من معالم قوتنا الناعمة. - إزالة المعوقات أمام المثقف الحقيقي والمبدع الحقيقي لنشر إبداعه. - استحداث آليات جديدة لتقييم الإعمال الثقافية والمنتج الثقافي بعيدًا عن تلك الجوائز البالية التي كرست السطحية والتفاهة على مدي تاريخها الطويل. - البحث عن آليات جديدة للمؤتمرات الثقافية بدلًا من ثقافة إهدار المال العام ووضع ضوابط المشاركة، في ضوء معايير واضحة. تلك هي مجموعة من المبادئ العامة والفرعية وهي قابلة للنقاش العام على ضوء ما يسفر من تفاعلكم واقتراحاتكم وما يسفر عنه الحوار حول الثقافة.