حلول ابتكارية لأزمة مصيرية
الأخبار عن تداعيات الأزمة العالمية تعيد إنتاج فكرة أؤمن بها.. الفكرة هى أننا فى حاجة لأن نتغير.. فى حاجة لأن نفكر بطريقة أخرى.. فى حاجة لأن نغير عاداتنا.. نحن نتعامل مع العادات التى اكتسبناها منذ سنوات قليلة على أنها شىء مقدس.. نحن نعشق الكسل والاستكانة ونسميها «أنتخة»، نحن نعشق التسفيه من الأفكار الجادة ونسميه «سف».. نحن «فى أغلبنا» لا نحب العمل ونعتذر عنه بحجج مثل وفاة قريب ومرض عزيز ودور برد مفاجئ و«أصلى بحضر دراسات عليا ومحتاج شهر إجازة».. نحن نتعامل مع أمراضنا الاجتماعية وكأنها مقدسات لا يجب المساس بها.. عادات الاستهلاك والنهم وعبودية الشراء.. نتعامل معها على أنها حق مقدس رغم أنها مرض ابتلينا به.. نظن أن الحياة فى العالم ليس فيها شىء سوى «مولات التسوق» التى أقيمت فى الصحراء ومطاعم الأكل السريع الأمريكية التى تقدم لنا نفايات غذائية.. نحن لا تعرف شيئًا عن بقية العالم.. نرضى عن جهلنا ويرضى عنا جهلنا.. لا نعرف كيف يعيش مليار وثلاثمائة مواطن فى الصين.. كيف يعملون؟ ماذا يقرأون؟ كيف تحولوا من شعب ضائع لقوة عظمى؟ نحن لا نعرف ولن نعرف.. نحن فقط مهتمون بطلاق فلان من فلانة وبمحاكمة نجم هوليوود وبمشاجرة الفنانة مع شقيقها.. إلخ ثم نذهب إلى أسرتنا لننام دون أن نهتم بأن نضيف شيئًا للعالم ولا أن يضيف العالم شيئًا لنا.. عندما أراد رئيس الدولة تنبيه الناس إلى أن الاستهلاك ليس كل شىء وحاول تبسيط الفكرة قائلًا «الثلاجة لم يكن بها سوى الماء» انبرت كتائب السفاهة والتفاهة والانحطاط لتشوه الفكرة.. رغم أن الرجل كان يطلب من الناس أن يتوقفوا عن أن يكونوا حيوانات مستهلكة.. نعم قبل السبعينيات لم يكن الناس يهتمون بتخزين الطعام فى الثلاجات ولم تكن هناك ثلاجات أصلًا.. والاحتياجات كان يتم شراؤها يومًا بيوم.. وتكديس الثلاجات بالطعام مرتبط بسلاسل السوبر ماركت الكبرى التى لم تدخل مصر سوى فى نهاية التسعينيات.. أنت أيها المصرى الذى تبكى على أن مصر ليست مثل الهند أو الصين أو ألمانيا.. هل تعرف كيف تعيش هذه الشعوب؟ هل تعرف أنماط استهلاكهم؟ هل تعرف كم ساعة يعملون؟ أنت لا تعرف شيئًا ولا تريد أن تعرف شيئًا.. أنت فقط تريد أن تأكل وتنام وتتابع الفيسبوك وتلعن الزمن والحكومة والظروف.. فهنيئًا لك بما تريد وبما تفعل.. ما أقوله هنا أن الدولة فى إطار حرصها على الاستقرار تخضع أحيانًا لهذا الابتزاز الجماعى الذى تحركه عناصر الإخوان ويستجيب له البعض بلا وعى.. نحن فى الأزمات لا بد أن نغير عاداتنا وأن نبحث عن أفكار جديدة.. سأطرح بعض الأفكار وبعضها بالتأكيد غير عملى ولكن على المتخصصين أن يدرسوا جدواها.. مثلًا هل يمكن الاعتماد على الدهون الحيوانية كبديل عن الزيوت التى تضاعفت أسعارها مرات ومرات وربما تتضاعف أكثر؟ هل التوسع فى تربية المواشى وتنفيذ فكرة تطوير السلالات بسرعة يحل لنا جزءًا من الأزمة.. هل أصبح «السمن البلدى» و«الزبد» أرخص تكلفة من زيت عباد الشمس وغيره من الزيوت؟ نحن فى حاجة لأن يجيب لنا المتخصصون عن ذلك وبسرعة.. وبالنسبة للطبقة الوسطى الميسورة «عددها بضعة ملايين مصرى».. هل شراء المقلاة الكهربائية التى تقلى بدون زيت يسهم فى الاستغناء عن الزيت أم لا؟.. هذه المقلاة ثمنها فى المتوسط ألفا جنيه مصرى لكنها تغنيك عن استخدام الزيت للأبد.. احسب كم زجاجة تستهلك.. وكم سيصبح سعر الزجاجة ولو وجدت أنها مجدية فاشتريها ولو بالتقسيط.. لأن هذا نموذج للاستهلاك المفيد.. على المختصين أن يدرسوا الموضوع.. ولو الفكرة مجدية فيمكن لوزارة الإنتاج الحربى أن تتولى تصنيع هذه المقلاة فى مصر أو على البنوك تسهيل تقسيطها للموظفين بحيث يتم تقسيط ثمنها على عامين «مائة جنيه فى الشهر» أقل من سعر زجاجتى زيت.. هذه كلها مجرد أفكار قابلة للدراسة ولكن علينا أن نأخذها هى وغيرها بجدية، لأن المجتمعات تتطور بالأفكار الجديدة لا بأى شىء آخر.. نفس الأمر بالنسبة للقمح.. لدينا اثنان مليون مولود جديد كل عام.. المولود الجديد يمكن تنشئته على عادات جديدة غير عادات المصريين الثابتة.. يمكن أن نطعمه «البطاطس» كبديل للخبز، كما فى «أوروبا وأمريكا والدول المتقدمة»، نحن لدينا فائض فى البطاطس ونصدره، ويمكننا زيادة المزروع منها ببساطة وقليها بدون زيت باستخدام طرق الطهى الحديثة.. والمعنى أن عشرة ملايين طفل مثلًا يمكن أن يتحولوا من الاعتماد على القمح إلى الاعتماد على البطاطس كمصدر للنشويات.. هذه فكرة قد تكون ساذجة وقد تكون مفيدة مع ملاحظة أن كل الأفكار الهامة تبدو ساذجة، فى النهاية «ما معنى أن تطير قطعة حديد بداخلها بشر مثلًا»؟ أو أن تصدر قطعة حديد صوتًا وتذيع أغانى وموسيقى؟ ألا تبدو تلك فكرة ساذجة؟ ولكنها تحولت لحقيقة بالفعل وتغير العالم من بعدها.. لماذا لا يجرب المصريون أفكارًا جديدة ويتوقفون لشهور قليلة فقط عن «الأنتخة».