إعادة محاكمة يوسف السباعى
ضمن مراجعات كثيرة لتاريخنا الثقافى والعام، ربما كان مطلوبًا مراجعة الموقف من «يوسف السباعى»، الرجل كان يحمل عدة صفات.. فهو أديب ينتمى إلى أسرة أدبية.. وهو ضابط من الضباط الأحرار.. وهو أيضًا مسئول فى الصحافة والثقافة يحظى بثقة رجال ثورة يوليو فى الخمسينيات والستينيات، ثم بثقة الرئيس السادات فى السبعينيات.. السباعى دخل فى مواجهات قاسية مع عدد من الكتاب الموهوبين المنتمين لليسار.. حيث كان جزءًا من دوره تفكيك ما اعتبره سيطرة من اليسار على مؤسسات الثقافة المصرية.. وقد تصدى وهو وزير للثقافة لإغلاق مجلة «الكاتب» الصادرة عن الوزارة.. ثم لإغلاق «الطليعة» عندما تولى رئاسة مؤسسة الأهرام عام ١٩٧٧، وقد استدعى هذا مراجعات كبيرة بينه وبين عدد كبير من الكتاب.. وربما ظلمه أداؤه كمسئول وصرف النظر عن قيمته ككاتب.. وربما تمت شيطنته بأكثر مما ينبغى.. وربما تجاهل الطريقة القاسية التى تم اغتياله بها فى قبرص أثناء حضوره أحد المؤتمرات الثقافية، وكان الاغتيال عقابًا له على تأييده السادات فى السعى للسلام مع إسرائيل.. أيًا كان الأمر فقد كان الرجل كاتبًا، فقد حياته ثمنًا لما يؤمن به.. وتم السكوت عن تكريمه خوفًا من الاتهام بخذلان القضية الفلسطينية أو تأييد التطبيع مع إسرائيل.. رغم أن هذه قضية وتلك قضية أخرى تمامًا.. على الجانب الآخر وبغض النظر عن أدائه كمسئول الذى ربما كان محل خلاف وجدال، فللرجل أعمال أدبية لا تخلو من قيمة ومقومات نجاح، منها «أرض النفاق» و«رد قلبى» و«نادية»، وهى كلها وغيرها كثير تحولت لأفلام لقيت نجاحًا كبيرًا، وأصبحت جزءًا من ذاكرة المصريين الفنية والثقافية.. وهو ما دفعنا فى «الدستور» لإحياء ذكرى رحيله والدعوة لإعادة تقييمه بعد فصل ما هو «سياسى» عما هو «أدبى»، وما هو إلا اجتهاد إدارى قابل للخطأ عما هو موقف فكرى دفع الرجل حياته ثمنًا له.. نحن فى حاجة لإعادة قراءة تاريخنا قراءة جديدة ومنصفة وموضوعية، ثم إعادة إصدار أحكام جديدة بالسلب أو بالإيجاب أو هذا ما أظن وأعتقد.. وانطلاقًا من هذا المعنى ستنشر «الدستور» عددًا من المقالات من وجهات نظر وزوايا مختلفة، نبدأها بهذا المقال عن رواية السباعى المهمة «السقا مات» التى تحولت لفيلم سينمائى كبير أخرجه المخرج الرائد صلاح أبوسيف.