الكورة مش بسْ إجوان
هذا هو أسبوع كرة القدم بامتياز.. لا صوت يعلو على صوت «الجماهير» فى الشارع.. فى المنتديات.. على المقاهى.. والجروبات.
الكل تراجع.. حديث الأسعار.. مستقبل العالم فى ظل الأزمة الروسية.. مخاوف الناس من الجوع وأزمة غذاء مرتقبة.. كل ذلك تراجع فجأة، وصرنا جميعًا مشدودين إلى الحديث عن كرة القدم.. والمنتخب وإيهاب جلال.. والمنظومة.. وبالمرة الإعلام.. الإعلام الرياضى هذه المرة.
من الطيب أن يزعل الناس لأن اسم مصر الذى نرفعه فى المحافل الرياضية يتأثر.. من الجميل أن نغضب لأن فريقنا القومى بعافية.. ولاعبيه تاهوا وكأنهم لم يمسكوا بالكرة من قبل.. رغم أننا حتى أسابيع قليلة.. كنا نهتف بأساميهم.. ونجرى خلفهم فى برامج التوك شو، حتى إن البعض «بقى يتشرط» ياخد كام قبل ما يطلع.
اختفت الألقاب التى منحناها لهم.. ولم يعد هناك لا أهلى ولا زمالك «الجميع سيئون» وهذه هى الحسنة الوحيدة .. فيما جرى.. رغم أن كرة واحدة كانت كفيلة بأن نمضى فى نفس سكتنا من الفرح المزعوم، نفس مشوار تخديرنا، وكنا سنغنى للصباح لحن بليغ حمدى البديع «يا حبيبتى يا مصر».
هو «جون واحد».. والكورة إجوان فى نظر البعض كما علّمنا ورسّخ فى أذهاننا الكابتن لطيف ومن جاءوا بعده.. جون واحد.. من ضربات الجزاء المهدرة فى مباراة السنغال كان سيقربنا إلى كأس العالم.. وساعتها كنا سنظل نمتدح اللاعبين ونجرى وراء تصريحاتهم.. بل وأذكركم أن البعض منا كان سيتحدث عن الملايين التى سيحصل عليها بعضهم من الاحتراف فى الخارج.. ألم نكن نستعد لحديث الوكلاء عن صفقات زيزو ومصطفى محمد والشناوى وغيرهم؟.. ألم يحدث ذلك فما الذى جرى ونزل بنا من «سقف الأحلام».. التى رفعها «الننى» ورفاقه إلى هاوية اليأس والإحباط والعدمية ومهاجمة كل من له صلة بالكرة واتحادها؟.. هل اكتشفنا عيوبنا فجأة بعد ثلاث هزائم ليس أكثر.. أما أن «إيهاب جلال» كلمة السر التى فتحت باب المغارة.. وباب الأوجاع وجعلت الجميع يتحدثون من أول عمال المقاهى وحارسى غرف خلع الملابس حتى رجال البيزنس وأعمالهم، ومن بينها «التجارة فى كرة القدم طبعًا»؟!
لقد تغير العالم منذ سنوات.. ولم تعد هذه «الكرة المدورة».. مجرد لعبة شعبية تسحر قلوب الأغنياء والفقراء وتوحد الأحمر والأبيض والسماوى.. لم تعد مجرد «١١» موهوبًا مهما علت مواهبهم.. صارت «إدارة وعلمًا وصناعة واستثمارًا».. خططًا طويلة المدى.. وأهدافًا واضحة.. دوريات منتظمة وشركات تعرف كم ستدفع اليوم وكم ستكسب غدًا.. فهل لدينا أى علاقة بهذا العالم؟
كلما أخفقنا.. ذهبنا إلى تغيير المدرب.. أجنبيًا كان أو وطنيًا.. وبحثنا فى دفاترنا القديمة.. ولو كان الجوهرى على قيد الحياة لطلبنا عودته للتدريب.. حملنا صلاح مهمة إنقاذ «الوطن»، وهو الرجل الذى لا يلعب بمفرده فى ليفربول.. لكنه تعلم وقت أن أتيحت له الفرصة أن يعيش «مناخ كرة القدم الحقيقية».. وهذا ما لا نريد أن نفعله فكيف نطالبه ونحن الهواة بأن يظل محترفًا وأن يصلح بمفرده ما أفسدته سنوات طويلة من الفهلوة؟! من قال إن كل لاعب «حريف» يصلح مدربًا.. أو مديرًا للكرة.. وإذا كانت الأمور قد جاءت بالصدفة مع الخطيب أو حسن شحاتة فليس شرطًا أن تستمر الصدف مع إيهاب جلال ومحمد شوقى والحضرى.. بالمناسبة ما علاقة الحضرى بالتدريب من أصله؟
ذلك العك الذى نعيشه بداية من الطريقة التى تجرى بها اختيارات رؤساء الأندية لن يفضى بنا إلا إلى ما هو أسوأ.. هذه الطريقة الخلطبيطة التى يجرى بها تنظيم المسابقات لا تفضى أبدًا إلى إنتاج فيه أى قدر من الإبداع.. اسألوا أنفسكم: أين هى قطاعات الناشئين فى الأندية الشعبية مثل الأهلى والزمالك والإسماعيلى.. أو حتى فى أندية الشركات.. هل نحن بالفعل لدينا «صناعة.. حقيقية لكرة القدم.. أم أن كل ما يجرى.. يجرى حسب الظروف.. وكلما واجهتنا هزيمة صرخنا وبحثنا عن كبش فداء؟!
لا إيهاب جلال ولا اللاعبون الحاليون مسئولون عن «انهيار» اللعبة الشعبية الأولى فى بلادنا.
وبنظرة محايدة للدوريات العربية.. فى بعض الدول بجوارنا نعرف أننا نسير فى اتجاه عكسى دومًا.
وإذا كان أكبر فرقنا يعتمد منذ سنوات على اللاعب الأجنبى ليحصل على بطولة تافهة.. فمن أين يجىء لاعب المنتخب الوطنى.. هل سنستعيره من دولة أخرى؟
لقد كشف انهيار المنتخب الوطنى مؤخرًا عن انهيار «معشوقة الجماهير».. فى كل نوادينا .. لا أهلى ولا زمالك ولا غيرهما.. المنظومة بالكامل تحتاج إلى نسفها والبناء من أسفل ومن أعلى فى آن واحد.. فليذهب الدورى والكأس والحكام ومذيعو التوك شو للجحيم إذا كنتم تتحدثون عن اسم البلد.. لنبدأ بإعداد قانون جديد للاتحادات الرياضية وطريقة انتخاب مسئولى الرياضة والأندية.. ولنهتم أولًا بالرياضة فى مدارسنا.. وفى مراكز الشباب وربما عُدنا إلى نظام الكشافين بعيدًا عن سماسرة النوادى.. وسبوبات وكالات اللاعبين الرسمية وغير الرسمية.
من القاع فلنبدأ.. ومش مهم كام بطولة ملهمش لازمة.. ومحاولة إنقاذ الجيل الحالى.. قد تستهلك منا الوقت والجهد والفلوس.
ابحثوا عن «أجيال قادمة» قد تصل بنا إلى صناعة حقيقية واستثمار حقيقى، فالموهوبون فى بلادنا لا حصر لهم.. بشرط أن نوفر لهم مسابقات حقيقية وصناعة حقيقية، أما الاستمرار على طريقة «كابتن لطيف» فقط فحتمًا لن يؤدى بنا إلى نتيجة أفضل من تلك التى شاهدناها أمام إثيوبيا ومن بعدها كوريا..
الكورة مش بس إجوان.. الكورة فن وعلم وصناعة.. و«دمتم».