الإجابة عن أسئلة مصر
سعدت جدًا بحضور افتتاح إحدى محطات تنمية الثروة الحيوانية التى يديرها جهاز الخدمة الوطنية.. ما يسعد الإنسان ليس الإنجازات نفسها ولكن المعانى التى تقف وراء تلك الإنجازات.. منذ الثمانينيات ونحن نطرح على أنفسنا أسئلة «سرمدية» ولا نجد إجابات لها.. نقول مثلًا كيف تملك مصر خمس بحيرات وسواحل على بحرين ونهر يمر بها من الشلال إلى البحر وثروتها السمكية ضعيفة لهذه الدرجة؟!.. أو نقول متى تنتهى «أزمة اللحوم فى مصر؟».. ونظل نطرح السؤال عامًا بعد عام ولا نجيب عنه.. أو نقول «متى تحقق مصر الاكتفاء الذاتى من القمح؟» وتكون الإجابة أن استيرادنا من القمح كان يزيد عامًا بعد عام ليجارى الزيادة السكانية.. أو نظل ثلاثين عامًا نسأل «متى نخرج من الوادى الضيق؟».. ونظل نكرر السؤال كل يوم لكننا لا نخرج أبدًا من الوادى الضيق إلا بأقل القليل.. ما فعله الرئيس السيسى من وجهة نظرى أنه قرر الإجابة عن هذه الأسئلة «السرمدية» بإجابة «الآن.. الآن وليس غدًا».. أو أنه امتلك العزم والتصميم على تحدى المعوقات التى كانت تمنع الدولة من الإجابة عن هذه الأسئلة.. فالبحيرات مثلًا كانت تعانى من التعديات.. وإزالة التعديات تحتاج للقوة.. والعزم والتمويل.. وحسن الإدارة.. إلخ.. وزراعة الصحراء بالقمح تحتاج إلى استثمار من نوع خاص.. لا يستعجل المكسب ولمنظومة متكاملة من الرى والكهرباء والزراعة والجيش.. إلخ.. هذه المنظومة فى حاجة لإدارة يقظة.. وحازمة ومنتبهة.. إلخ.. وربما كل هذا وغيره لم يكن متوفرًا خلال السنوات التى تراجعت فيها مصر.. وسبق عداد السكان معدلات التنمية واستسهلت الدولة إسناد عملية النمو للقطاع الخاص فأقبل على ما يفيده فى التو واللحظة.. وأعرض عما تتأخر فيه دورة رأس المال وتعلو فيه القيمة الوطنية على قيمة الكسب المادى السريع والمباشر.. وهكذا بدا لى أن الرئيس منذ توليه شرع فى أداء الفروض وأجل النوافل.. وبدأ فى توجيه القوات المسلحة المصرية لحرب التنمية «المباشرة».. بمعنى الدخول فى مشروعات لسد النقص فى احتياجات المصريين من «البروتين الحيوانى» ومن «المحاصيل الاستراتيجية».. وأظن أن هذا التوجه كان له ثلاثة أبعاد.. أولها أن هذه المنتجات تسد نقصًا فى السوق المصرية.. وثانيها أنها توفر عملة صعبة كانت توجه لاستيراد بدائل للإنتاج المصرى.. وثالثها وأهمها من وجهة نظرى أنها مشروعات غير معقدة.. لا تحتاج تكنولوجيا مستوردة ولا نظم تشغيل معقدة ولا خبرات تقنية متراكمة مثل التى تحتاجها بعض الصناعات.. وبالتالى كان يتلافى أيضًا عيوب تأخر التعليم المصرى فى العقود الثلاثة الأخيرة والتى أدت ضمن ما أدت إلى خروجنا من سباق التنافسية فى مجالات صناعية كثيرة، والحقيقة أن جهود الجيش المصرى فى مجال التنمية الحيوانية قد أتت أُكلها.. والذين عاشوا فى السبعينيات والثمانينيات وما بعدها.. يعرفون أن «أزمة اللحوم» كانت موضوعًا ثابتًا لتحقيقات الصحف ورسوم الكاريكاتير.. حيث يشكو المصريون دائمًا من غياب اللحم عن المائدة لأنه غالى الثمن.. لكن ما ألاحظة الآن أن التضخم فى أسعار اللحوم ليس بمقدار التضخم فى أسعار بقية السلع لأن الإنتاج المحلى منها وفير.. بل إن أسعار البروتين النباتى «الفول والعدس» تضخمت بأكثر ما تضخمت به أسعار اللحوم فى آخر عشر سنوات، لأننا للأسف نستورد منهما أكثر مما نستورد من اللحم.. والمعنى أننا نحاول.. وننجح ونستفيد من المميزات النوعية لمؤسسات الدولة المصرية.. وأن لدينا رؤية للتنمية.. لكن هذه الرؤية لن تكتمل إلا بطرح سيناريو لـ«ثورة التصنيع» والمشروعات التى تحتوى على «قيمة مضافة أكثر» أو الأكثر اعتمادًا على التكنولوجيا.. وإلا إذا حولنا هذه المشاريع الاقتصادية العملاقة لشركات تجارية تطرح أسهمها فى البورصة.. على أن توجه القوات المسلحة جهودها لمشاريع أخرى فى مجالات يحتاجها البلد ويحجم القطاع الخاص عن الخوض فيها.. وكأن القوات المسلحة تلعب دور «المؤسس» و«المنشئ» من العدم والمضيف للناتج القومى ثم تطرح ما أسسته للسوق.. وتتجه لمجال آخر بكر لتخوض تحدى التنمية فيه وهكذا.. وأظن أن هذا هو أحد المواضيع المهمة للغاية.. التى تجب مناقشتها فى الحوار الوطنى القادم بإذن الله.