خيبات الآملين
الخيبات الأكثر سوءًا هي خيبات الآملين؛ فليسوا بأهل يأس ولا أرباب عدم، ولكنهم متفائلون يتوقعون خيرًا ويترقبونه، فإذا بخيبات الآمال تلاحقهم، وإذا هم يعودون من حيث كانوا انطلقوا، جارين أذيال الخيبات.
ما الذي يجعل آملًا يخيب أمله؟!
ربما كان طموحًا ولا يملك القدرة على تحقيق طموحه، هذا وارد جدًا طبعًا، وكثير في سنواتنا الحالية للأمانة، هذه السنوات التي طغى فيها الباطل على الحقيقة، والاعتقاد الوهمي الذي لا دليل عليه على الاعتقاد الصحيح ذي الدليل، وربما كانت العقبات والموانع التي واجهها الآمل سببًا في فشله وإخفاقه وعودته منكسرًا ذليلًا.. وأنا يهمني هذا الأخير للغاية؛ فمثله موجود بوفرة من حولنا، وقد تحلى بروح إيجابية إذ نوى مقاومة القنوط وقرر أن يكون في صف الرجاء، لكنه واجه صعابًا لا قبل له بها فخاب أمله.
أمثاله قد يكونون خطرًا على مجتمعاتهم؛ لأن هزيمتهم النفسية كثيرًا ما تصنع في دواخلهم حفرًا رهيبة من المستحيل ردمها، وقبل اتهامهم بأنهم فاسدون مخربون، يجب أن نحاسب الذين ملأوا نفوسهم بهذه الحفر؛ فقد قتلوهم بمعنى ما، قتلوهم إذ أفرغوهم من الأمنيات الطيبة، وجعلوهم نهبًا للوساوس الشيطانية، بل كادوا أن يسحبوا منهم انتماءهم إلى بلدانهم، كنتيجة طبيعية لما قابلوه في الطريق من المماطلة والصد وتثبيط الهمم، ويلقون به في خانة العداء، وما أشد فظاعة العداء بعد الانتماء!
إن قاتلي الأمل في نفوس الناس مجرمون كعتاة المجرمين؛ فكم يجعلون الأمور البسيطة معقدة واليسيرة عسيرة، سواء أكانوا يدركون أبعاد ما يفعلونه أو يفعلون أفاعيلهم اعتيادًا خاطئًا بغير إدراك.. إنهم شرار الخلق أينما كانوا وكيفما كانوا؛ فقد جاءهم من جاءوهم، وفي ظنهم أن المصالح ستنقضي والأمور ستكون على ما يرام، ولكن خرجوا من عندهم بالألم والدموع..
لقد صبرت الأجيال على أصناف من العاملين بالدولة، صغارًا وكبارًا، لا يبالون بأحلام الناس، لا سيما العاديين الذين هم الأغلبية، فينتظر الواحد منهم وافدًا إلى مكتبه لإنهاء إجراء ضروري أو حتى الاستفسار عن شأن من الشئون، لا لشيء إلا ليمارس عليه سلطة تعذيب عجيب، وهو ما يعكس، ضمن ما يعكسه، سادية راسخة مريبة.
صبرت الأجيال على هؤلاء الساديين الفشلة فلم تتوحد لردعهم، ولو بالشكاية الحارة المتواترة المرفوعة إلى ولاة الأمر، ظل كل مظلوم يحكي مظلمته لمظلوم مثله، ويضحكون معًا مرة ويبكون مرات ومرات!!
لا بد أن يتخلص الجهاز الإداري في دولتنا العريقة العظيمة من هؤلاء المعطلين صناع الكوارث، لا بد أن يسرع بحذفهم وحظرهم؛ لأنهم طواعين كالطواعين الممرِضة التي تفتك بالآدميين، وقد يكونون أشد فتكًا، والجهاز الإداري المفعم بالموظفين لدينا، من كل لون ودرجة، عليه أن يتخفف من الزيادات التي خلقتها الوسائط، بلا جدارة، وخلقها العبث والاستخفاف وموات الضمائر!