انتصارات يونيو
كنت قد شرعت في كتابة حلقات "مرشدون وقتلة"، التى تتناول السيرة الذاتية لمرشدي جماعة الإخوان الإرهابية، إلى أن حلّت علينا ذكرى حرب يونيو 1967، التي اعتدنا على استقبالها بزفة كان يقودها الإخوان وحلفاؤهم كل عام وكانت تهدف إلى التذكير بالهزيمة، ثم تطورت الحالة إلى ما يشبه الاحتفال السنوى الذي يتشارك فيه مصريون مع الصهاينة في إحياء الذكرى.
ولأن ما يحدث ليس مجرد ندب على ما فات وإنما هى محاولات لإحياء روح الهزيمة في أجيالنا لتظل دولة العدو منتصرة علينا في عيون ونفوس الأجيال المتتالية إلى أبد الدهر على عكس الحقيقة التى ينكرونها، وهى أن الهدف الحقيقي من عدوان 5 يونيو 1967 لم يتحقق، وهو كسر الإرادة المصرية وزعيمها جمال عبدالناصر وتحييد مصر وإخراجها من المعادلة العربية وتخليها عن القضايا المشتركة بين العرب وإسرائيل، وكل ذلك لم يحدث ولم تستسلم مصر ولم تعلن قبولها أي شروط لدولة العدو، ولا حتى قبلت بالانسحاب الإسرائيلى من سيناء بأي معاهدة ولا بأي شروط، وأعلنت مصر على لسان زعيمها اللاءات الثلاثة "لا صلح.. ولا تفاوض.. ولا استسلام"، وأعلنت أيضًا أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.
وقبل الدخول في تفاصيل أخرى، أولًا نذكر ببعض الحقائق، أولها التفرقة بين مصطلحي الحرب والمعركة، فالحرب هي مهمة لا تنتهي حتى يتحقق الهدف منها، والمعارك هي مجرد فواصل تساعد كأهداف صغيرة للمضي قدمًا إلى الهدف النهائي، وهذا ما كان على الأرض وحدث ما بين يونيو 1967 وبين أكتوبر 1973.
فكانت معركة «رأس العش» هى أول معركة حقيقية يدخلها الجيش المصري في 1967، وتكبد فيها العدو خسائر فادحة، وتفاصيلها مشرفة للعسكرية المصرية، ويعتبرها الخبراء بداية الانتصارالمصري.
وهنا يبرز سؤال مهم: هل نسمع عن احتفالات بانتصار ألمانيا النازية على فرنسا في بداية الحرب العالمية الثانية واحتلالها كليًا وسقوط عاصمتها باريس؟، بالقطع لم نسمع، لأن النتائج النهائية للحرب كانت في صالح دول الحلفاء "فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية".
وهل يذكر التاريخ اكتساح قوات ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية معظم دول أوروبا الشرقية والغربية وشمال إفريقيا؟ أم يذكر التاريخ النتائج النهائية للحرب بهزيمة الألمان والإيطاليين؟، وهل استمرت الحرب العالمية الثانية 6 أيام فقط، أم امتدت لست سنوات متواصلة بدأت عام 1939 وانتهت في عام 1945؟.
الفرق بيننا وبين الأوروبين ليس الفرق في دقة المصطلحات والتفرقة بين الحرب والمعركة، إنما الفرق فى أن هناك دولًا وشعوبًا تربي أجيالًا تنظر للمستقبل، لا تريد أن تستمر الهزيمة في نفوسهم جيلًا بعد جيل، وهو ما تسعى إليه القوى المعادية لشعب مصر حاليًا.
وهنا نسأل لنذكر: هل يعرف شعبنا العظيم أن معارك الاستنزاف استمرت ثلاث سنوات وأطلق عليها «حرب الألف يوم» وليس الأيام الستة فقط؟، وهل يعرف شعبنا العظيم أن القتال فيها كان برًا وبحرًا وجوًا واستنزفت فيها إسرائيل كل مقدراتها بعد أن أعلن قادتها أمام شعبهم أن يونيو هى آخر الحروب؟.
وهل تعلم أجيالنا الشابة أن خسائر العدو خلال بنائهم خط «بارليف» لا تقل عن خسائرنا في بناء حائط الصواريخ؟ وهل تعلم الأجيال التي يريدون هزيمتها الآن أن حرب الاستنزاف انتهت بطلب أمريكى بوقف القتال برغبة إسرائيلية، بما عرف بمبادرة روجرز، بعد أن فشلت كل محاولات العدو لوقف الحرب حتى باستخدام الوحشية باعتداءات العمق كضرب مدرسة البقر؟
وهل نعلم أن المجلة العسكرية الإسرائيلة اعترفت بخسائرهم، والتى بلغت 40 طيارا و827 قتيلا من قواتهم البرية، و3141 جريحا، وخسرت أيضًا 27 طائرة إلى جانب 7 زوارق بحرية، بالإضافة إلى المدمرة إيلات ومعها 72 دبابة و119 مجنزرة و81 مدفعا، إلى جانب زيادة نسبة الإنفاق العسكرى بنسبة 300% بين عامي 1966 و1970، ورغم فداحة تلك الأرقام على العدو إلا أن اثنين من كبار الكتّاب الإسرائلين، هما "زيف شيف" و"شلوموجازيت" سكرتير رئيس الوزراء الإسرائيلى، قد أصدرا كتابين يؤكدان أن تلك الأرقام تقل كثيرًا عن حقيقة خسائرهم فى معارك الاستنزاف.
وكل ذلك ليس عجيبًا، فهذا جيش مصر وهذه تضحيات أبناء مصر وهذه بطولات أبناء مصر، فهذه بعض الحقائق التى تدعونا للفخر بتاريخنا العسكرى، حتى إن جاز التعبير تسمية تلك الفترة بانتصارات يونيو، أى معركة 5 يونيو وما تلاها من معارك ستجعل العدو يفكر ألف مرة قبل أن يفكر فى الاعتداء علينا مرة أخرى.