بعد إغلاقه.. حكايات أهل الفن والأدب فى مقهى «الندوة الثقافية»
بعد أكثر من نصف قرن علي تأسيسه، ودع أهل الثقافة والفن والأدب، مقهي “الندوة الثقافية”، عقب صدور قرار بغلق المقهي وتصفيته، بالحكم الصادر عن محكمة استئناف القاهرة.
يقع مقهي “الندوة الثقافية”، في ميدان الفلكي بباب اللوق، وعلى بُعد خطوات من مقهي “ريش”، و"زهرة البستان"، وقد أنشئ في ستينيات القرن العشرين، والتقى حول طاولاته كبار المثقفين آنذاك، وكان يشهد ندوة ثقافية أسبوعيا، ولعله اكتسب اسمه من هذه الندوة التي حرص على حضورها كبار المبدعين ومنهم: نجيب محفوظ، وفاروق عبد القادر، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد، والفنان أحمد زكي، والفنان يحيي الفخراني.
تتابع الكاتبة ميسون صقر في كتابها “ريش .. عين على مصر”: ومن السمات التي تميز مقهي “الندوة الثقافية”، أنه لا ينتهج نهج المقاهي العادية، فلا تلفاز ولا طاولة أو دومينو، ولم يكن يسمح بتناول الطعام على طاولاته، فقط كان به راديو صغير يعمل صباحا على إذاعة القرآن الكريم، ثم يترك دفته بقية اليوم للرواد أنفسهم، الذين يتنوعون حاليا ما بين شباب المثقفين أو الصحفيين، الذين يبحثون عن الهدوء والصحبة المشابهة.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من رواد “الزهرة” انتقلوا إلى “الندوة”، بعد التغييرات التي طرأت عليها منتصف التسعينيات، ومن منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ليعودوا إلى مكانهم مع الحراك الشعبي بداية العقد الثاني.
جلسة صلاح عبد الصبور المفضلة بمقهى الندوة الثقافية
ويذكر الكاتب الروائى أحمد الشيخ عن مقهى الندوة الثقافية، مجموعات كثيرة من المثقفين والكتاب كانوا يعقدون جلسات فى باب اللوق مثل جلسة صلاح عبدالصبور، حيث كنا نلتقى فى جلسة أسبوعية كل جمعة حول ندوة الدكتور محمد عبد المطلب، والتى كانت من قبل ندوة الدكتور عبد القادر القط، نتلاقى ولدينا استعداد للتواصل، العناصر الفعالة موجودة والقادرون على شق طريق تضيء الدوائر بين الناس، الكُتّاب محتاجين للتواصل مع الناس العادية، واللى هما المستقبل للإنتاج الأدبي، والكاتب مش هيكتب من فراغ، إنما يكتب عن مجتمع متنوع، هذه الأمور من المهم جدا أن نقوم بها».
ـــ انتقال مقهى الندوة الثقافية من شارع منصور لميدان الفلكي
يذهب مؤلف كتاب "حرائق الكلام" إلى أن أصحاب مقهى الندوة الثقافية كانوا يملكون في عام 1921 مقهى صغيرا في شارع منصور بالقرب من مكان الغرفة التجارية في القاهرة، بمساحة لا تزيد عن ثلاثة أمتار، تتراص فيه بعض المقاعد الصغيرة المصنوعة من القش، وأمامها بعض الطاولات الخشبية القريبة من الأرض، وفي خارج المقهي كانت توجد كراسي أخرى مطعمة بالصدف. وتعمل لمدة 24 ساعة يوميا، واعتاد عمال شركة "أسمنت طرة" في ذلك الوقت الجلوس فيها، إضافة لجنود الاحتلال الإنجليزي الذين يرون المقهي مغاليا في أسعاره، وذلك عندما ارتفع سعر كوب الشاي بحليب إلى قرش تعريفة، وبراد الشاي أصبح ثمنه قرش صاغ واحد.
ــ الحاج محمد حسانين وأولاده ملاك مقهي الندوة الثقافية
وفي عام 1962 انتقل صاحب المقهى "محمد حسانين" وأولاده “علي” و"رشاد" و"جلال" إلى مكان جديد في عمارة البدراوي بميدان الفلكي وافتتحوا مقهاهم الجديد "الندوة الثقافية"، ويتذكر الحاج “رشاد” أن المقهى ظل تجمعا كبيرا لعدد من الكتاب والأدباء والصحفيين، الذين استمر ارتباطهم بالمقهى إلى الآن، وهو ما دفع أصحابه لتسميته بــ"الندوة الثقافية" وكان من أشهر رواده في الستينيات، "نجيب محفوظ، جمال الغيطاني، وحيد فريد، فاروق عبد القادر، يوسف القعيد، توفيق صالح، أحمد زكي، وحيد سيف جورج البهجوري، أحمد السبعاوي، سمير غانم، محمد الدفراوي، فاروق عبد السلام، دكتور فاروق أبو زيد، يحيي العلمي"، ومعظم العاملين بالصحف والإذاعة والتليفزيون وغيرهم، وفي تلك الفترة كانت هناك حيوية في الثقافة والفكر وذلك كان ينعكس علي جو المقهى من خلال لقاءات وحوارات لا تنتهي كل يوم.
ــ بداية مقهي الندوة الثقافية بــ"التنباك" فقط
كما يشير الكاتب الراحل مكاوي سعيد في كتابه "مقتنيات وسط البلد" إلى أن الذي كان يميز هذا المقهى أنه لا يقدم سوى دخان "التنباك" وهو نوع من فاخر من معسل "النارجيلة" لا يقدر الكثيرون على تدخينه، مما خلق نوعية خاصة من الزبائن -(وقد تخلوا في الفترة الأخيرة عن تقديمه، وقدموا المعسل العادي وتخلوا عن تقاليدهم الصارمة كمنع الأكل بالمقهى أو منع تحية السيدات للرجال بالتقبيل أو العكس)- وهو من المقاهي المعدودة التي يقوم أصحابها بالخدمة فيها على الزبائن ومتابعة تلبية طلباتهم، ثم يتقاضون منهم الحساب، وهو يعطي إحساسا للرواد بأن صاحب المكان هو الذي يخدمهم مما يعطيهم ذلك تقديرا خاصا.