أفلام تسببت فى أزمات سياسية بسبب الرقابة
السينما شأنها شأن أى عمل إبداعى آخر يمكن لها أن تصطدم بالسلطة، برغم النظرة الضيقة لها على أنها عمل ترفيهي يتضمن أحيانا موعظة هنا أو هناك، على أن الأمر ليس كذلك عند بعض مبدعيها، وقد آن الأوان لإلقاء الضوء على هؤلاء الذين وقعوا فى قبضة السلطة أو تحت طغيانها.
إسماعيل صدقى باشا يأمر بمنع عرض "أولاد الذوات" بسبب فرنسا
الكاتب محمد صلاح الدين فى كتابه المعنون بـ"السينما والسلطة"، الصادر عن مكتبة مدبولى، أشار الى أنه قد يرى أحدنا أن الأفلام السينمائية التى اصطدمت بالسلطات كثيرة ومتعددة، ولكننا أغفلنا عن عمد تلك التى كان صدامها حثيثاً، أو لم تعبر عن واقعها بصدق، أو لم يكن لها دور إيجابي فى مجتمعها، ومن أبرز الأفلام المصرية التى تسببت فى أزمات سياسية بسبب الرقابة فيلم “أولاد الذوات”، ولذى يعد أول فيلم سينمائى مصرى ناطق والذى كتبه يوسف بك وهبى، وأخرجه محمد كريم، وعرض يوم 14 مارس عام 1932 فى دار سينما "رويال" بالإسكندرية، ومرت أيام عرضه الأولى مرورًا احتفالياً فاستقبله الناس والصحافة استقبالا حسنا كأول فيلم متكلم فى السينما المصرية.
وفى 29 مارس عام 1932 أى بعد عرض ونجاح الفيلم بأسبوعين كاملين نشرت الجريدة الفرنسية "لابورص" مقالا فى صفحتها الأولى طالبت فيه الحكومة المصرية بمنع عرض الفيلم بسبب تعرضه للحياة الاجتماعية للفتاة الأوروبية وأسلوب حياتها ومعاملاته الخادعة فى الشرق ومع الشرقيين، وفى اليوم التالى قامت جريدة "المقطم" المصرية يوم 30 مارس بنشر ترجمة كاملة للمقال، وبعدها مباشرة نشرت"المقطم" خبراً جاء فيه "قدم بعض الأجانب شكوى إلى وزارة الداخلية من فيلم "أولاد الذوات" وقالوا فيها إن الفيلم فيه تعريض وأسباب للنفور"، وهو ما دفع إسماعيل صدقى باشا الذى جمع وقتها بين وزارة الداخلية والمالية، بالإضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء فى وزارتيه الأولى والثانية الممتدة من 19 يونيو 1930 إلى 27 سبتمبر 1933؛ حيث أمر بوقف عرض الفيلم فى أول يوم من عرضه الثاني وذلك فى الحفلة الصباحية بسينما "متروبول"، وهو ما تسبب فى هزة كبرى بين عامة الناس مما دفع "صدقى باشا" الى ندب أحد سفراء الحماية ويدعى المستر جرايفر ومعه أعضاء اللجنة المختصة بهذه الأمور وهى لجنة مختلطة من المكتب الجنائى بالداخلية ومن الرقابة على الصحف والمطبوعات وذهبوا بصحبة المخرج محمد كريم إلى دار سينما "متروبول" وطلبوا عرض الفيلم عليهم عرضاً خاصاً، وفى نهاية العرض كتبوا تقاريرهم التى رفعوها إلى وزارة الداخلية والى سفارة إنجلترا وإلى سفارة فرنسا وجاء فيها أن الفيلم ليس فيه ما يستحق الاعتراض.
"ليلى بنت الصحراء".. يثير أزمة مع إيران
عام 1973 عرض فيلم "ليلى بنت الصحراء" أو "ليلى العفيفة" والذى يروى حياة الشاعرة الجميلة "ليلى العفيفة" التى ذاع صيتها وانتشر بين البادية والحضر للفنانة ليلى العفيفة فى القاهرة بعد حصوله على جائزة مهرجان برلين السينمائى الدولى، وفجأة وبدون مقدمات أرسلت الحكومة الإيرانية احتجاجا رسميا على عرض الفيلم باعتباره يسىء إلى تاريخ "كسرى أنو شروان" ملك الفرس القديم لأنه يظهره وهو يغتصب فتاة عربية، وهو ما دفع سفير إيران فى مصر طمحمد على جم بعمل اتصالاته مع القصر، حيث كان مقرباً من الملك فاروق وبعض السفراء المقربين، فصدرت الأوامر باغتيال الفيلم من داخل القصر نفسه.
"لاشين".. طلعت حرب يتدخل لعرضه.. وافق عليه رئيس وزراء ومنعه آخر
يعد فيلم "لاشين" عام 1938 ثانى أفلام للمهندس الألمانى "فريتز كرامب" الذى استقدمه طلعب حرب للعمل فى استوديو مصر، وذلك بعد فيلمه الأول "وداد" الذى قام ببطولته أم كلثوم عام 1936، فى الوقت نفسه يعد الفيلم أول فيلم سياسى مصر يمعنى الكلمة يناقش مشكلة السلطة والاستبداد والعبث بمقدرات الشعوب.
انتهى العمل فى الفيلم فى أول مارس عام 1938 وأصبحت نسخة جاهزة للعرض العام، وقد نشرت معظم الصحف والمجلات إعلانات عن الفيلم الذى تحدد موعده يوم الخميس 17 مارس 1938 بسينما ديانا بالقاهرة، والكوزموجراف بالاسكندرية وعندما جاء اليوم الموعود لم يعرض الفيلم فقد تقرر منع عرضه بأمر وكيل وزارة الداخلية "حسن باشا رفعت" لأن الفيلم به مساس بالذات الملكية ونظام الحكم، وبسبب هذا الفيلم تقدم أحمد سالم بالاستقالة من استديو مصر الى طلعت حرب باشا وقام بإنشاء شركة سينمائية خاصة باسم "أفلام نفرتيتى" عمل فيها بالإنتاج والإخراج والتمثيل أيضاً حتى وافته المنية فى 10 سبتمبر عام 1949 عن 39 عاما.