إغلاق الكواكب وأخواتها
تنبئ تغييرات العالم أن عصر القراءة انتهى، وأن الناس لم تعد تقتني الإصدارات الورقية.
في الواقع إذا قمنا بعمل دراسة بحثية سوف نكتشف أن معدل القراءة ازداد بشكل كبير، ففي كل ثانية هناك ملايين من البشر يقرأون «بوستات» في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كانت القراءة سابقًا تقتصر على الصحف والمجلات والكتب والتي تحتاج أن تشتريها وتذهب بها للمنزل أو للعمل أو لمكان تحبه ثم تقرأها، وقد لا يسعفك الوقت فتكمل قراءتها في وقت لاحق، وهكذا، لذلك كانت القراءة للنخبة أو للمثقفين بينما الشخص العادي قد يقرأ الجريدة أو لا يقرأها.
حاليًا الناس جميعًا يقرأون لكنهم يكرهون المواد الطويلة، ويحبون المواضيع الخفيفة، ويبحثون عن المتعة لا التعمق، منذ ظهور الهاتف الذكي تحولنا إلى القراءة السريعة المختصرة، لكنها بلا شك تنمو باطراد، وكل من لم يفكر أبدًا في القراءة عاد يقرأ.
في جميع أنحاء العالم تواجه الصحافة التقليدية تنبؤات الانقراض وهو مادفع العديد من المجلات العالمية إلى الإغلاق و/أو التحول إلي النشر الإلكتروني.
مجلة «نيوزويك» الشهيرة التي تأسست في 1933بدأت هذا التحول مبكرًا وأصبحت ديجيتال منذ 2012 وتبعها الكثير من الصحف في العالم كله.. لماذا؟
لقد تغير الزمن والإصرار الصلب على التمسك بالماضي على اعتبار أن له مستقبلًا لن يجدي مهما حاولنا أن نعدل أو نغير، بل إن احترام الماضي يدفعنا نحو صيانته وعدم تشويهه بتفاصيل العصر الجديد.
وضعه في متحف أفضل بكثير من حشره في سرعتنا وخفتنا.
لذلك كان خبر وقف إصدار مجلة «الكواكب» بالنسبة لي يعتبر بمثابة تكريم لها وحفاظ على كينونتها، بل وإنني أدعو الدولة لوقف العديد من الإصدارات الورقية الأخرى التي لا تقدم جديدًا ولا أحد يقرأها، فمن المعروف أن لدينا 8 مؤسسات قومية أو حكومية تصدر 50 إصدارًا ورقيًا تقريبًا، وعلني لست أبالغ حين أقول إن الكثير منها ليس ناجحًا وهو مستمر رغم أن الإصدارات العالمية الناجحة جدًا إعلاميًا مثل نيوزويك وإندبندنت وغيرهما أغلقت النسخ الورقية منذ زمن طويل.
الأرقام تقول
بين عامي 2008و 2019 سرحت الصحف الأمريكية نصف موظفيها وأغلقت مئات الصحف أو اندمجت مع صحف أخرى.
بين عامي 2005و 2018 أغلقت 250 صحيفة محلية في بريطانيا.
وطبعًا أجهزت جائحة «كورونا» على مجموعة كبيرة أخرى من الصحف الورقية في العالم، ففي 2020 وحده أغلقت 300 صحيفة في الولايات المتحدة، وهناك 3% فقط من المراهقين يعتبرون الصحف الورقية مصدرا للمعلومات.
لقد آن الأوان للاعتراف بالواقع والبحث عن حلول عملية وعصرية للعمل الصحفي.
العجيب أن بعض المتباكين على إغلاق «الكواكب» لم يشتروها طوال حياتهم، ولم يفكروا في شرائها مؤخرًا والتمتع بموضوعاتها اللطيفة، والحقيقة أن الدفاع المباغت عن أي شيء قديم ليس إيجابيًا دائمًا، فماذا تفعل مع مجلة توزع 100 نسخة فقط مثلًا، ولم تعد برونقها القديم، وتكلف طباعتها الكثير من الورق والأحبار والتوزيع و....إلخ
رغم ذلك أتبنى أعذارهم، فالمقارنة بين الأعداد القديمة والجديدة قد تصيبك على الأقل بالحيرة.