فى عدد تذكارى.. «أيام مصرية» تكشف حقيقة تبرع الأميرة فاطمة لأرض جامعة القاهرة
- حصول القاهرة على وسام أفضل مدينة نظيفة وجميلة
- سبب عزل الخديو إسماعيل
- قصة 630 لوحة توثق لرموز الوطن في كافة التخصصات
ربما لا يعرف الكثير أن منطقة وسط البلد كان يطلق عليها قديمًا "القاهرة الخديوية" سميت بذلك منذ تولى حكم الخديو إسماعيل نجل محمد على حاكم مصر السابق، وتبدأ هذه المنطقة من كوبري قصر النيل حتى منطقة العتبة، وتضم هذه المنطقة الكثير من المعالم الأثرية والإسلامية تركتها أسرة محمد على.
وفى ذكرى مئوية تأسيس القاهرة الخديوية وما تحويه من أماكن ومعالم وشوارع، فقد أصدرت مجلة "أيام مصرية" عددًا تذكاريًا عن "القاهرة الخديوية، نصف قرن على طريق النهضة"، يتضمن الأماكن التي مر على إنشائها مائة عام.
وتطرق العدد بالحديث عن هذه الأماكن وما قدمته لنهضة مصر، منها: مجلس الشيوخ، مشروع عاش هنا، القاهرة الخديوية، ومئوية نادي السيارات، مساجد القاهرة الخديوية، حقيقة تبرع جامعة القاهرة، الطرق الصوفية، وبداية التعامل بالأوراق المالية بدلًا من العملات المعدنية.
وافتتحت المجلة في عددها الـ63، الصادر في العام الجاري 2022، بمقال للدكتور هاني سري الدين، عضو مجلس الشيوخ، بعنوان: "مئوية مجلس الشيوخ" والذي أكد فيه أن مجلس الشيوخ سيظل غرفة مهمة من غرفتى البرلمان المصري وله دور عظيم ومهم ومؤثر في تاريخنا الحديث.
وتعد مصر أحد أقدم البلدان التي عرفت البرلمان في العالم، حيث بدأت إرهاصاته فى عهد محمد علي باشا، وهي التجربة التي تطورت حتى عرفت مصر النظام النيابي بمعناه الحقيقي الحديث في عهد الخديو إسماعيل الذي أسس مجلس شورى النواب، ووضعت له قواعد حقيقية ساهمت في تطوره، وكان دور الانعقاد الأول له في نوفمبر 1866، وحضر حفل الافتتاح الخديو إسماعيل وكبار رجال الدولة.
وتطرق بالحديث عن التطور التاريخي للمجلس، وطالب في نهاية المقال بتنظيم احتفال عالمى للاحتفال بمئوية مجلس الشيوخ المصري، على أن يشمل ذلك تطوير متحف مجلس الشيوخ ومكتبته وإنشاء مركز بحثى متخصص في تاريخ مجلس الشيوخ، وتنظيم معارض مصورة تجوب المدارس والجامعات والنوادي لتلقي الضوء على تاريخنا العظيم.
واستشهدت المجلة بعدد من محاضر اجتماعات مجلس الشيوخ، ترجع لعام 1922.
ومن الموضوعات التي تطرقت إليها المجلة، مشروع "عاش هنا" الذي كتب عنه رئيس مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، محمد أبوسعدة، أشار خلاله إلى الجهود المبذولة في المشروع، الذي أطلق فى عام 2017، وعلى الرغم من قصر المدة إلا أنه حقق نجاحًا شعبيًا كبيرًا.
لافتًا إلى أن حلم التنسيق الحضاري تخطى حاجز الـ 630 لوحة لتوثيق رموز الوطن، وزينت تلك اللافتات الذهبية مداخل عقارات وبنايات وفيلات عاش فيها أعلام الثقافة والحضارة المصرية مثل نجيب محفوظ وطه حسين ويوسف إدريس، وشهداء الأطقم الطبية وغيرهم ممن كان لهم دور بارز في الحركة الثقافية.
وأوضح أن المشروع يأتي ضمن محاور سلسلة توثيق ذاكرة المدينة التي أطلقها الجهاز القومي للتنسيق، وتلاها مشروع حكاية شارع، لتوثيق أسماء الشوارع التي تحمل أسماء رواد الأعلام المصرية، والمشاريع الأخرى التي أطلقتها وزارة الثقافة من أجل إحياء تراث مصر، وإبراز مكانة مصر وتاريخها وحضارتها العظيمة، حيث تشمل المشاريع إعادة إحياء معالم القاهرة الخديوية والمحافظة على تراثها وعظمتها.
وتطرقت المجلة أيضًا إلى نادي السيارات الذي ينسب للقاهرة الخديوية، فأول رئيس للنادي هو الأمير جميل طوسون ابن الأميرة فاطمة إسماعيل المعروفة بمشروعاتها الخيرية التعليمية، والأمير جميل هو حفيد الخديو إسماعيل، واهتم النادي عبر تاريخه بالطرق والكباري ورجال المرور، كما حرص على تنظيم المسابقات وتوزيع الجوائز، ويوجد بالنادى ركن خاص بصور شخصيات بارزة لعبت دورًا هامًا في التاريخ.
وأما عن "القاهرة الخديوية" وما تحويه من أماكن وآثار، فقد تناولت مقالة كتبها البرنس عباس حلمى، كافة ما يتعلق بها بداية من محمد على باشا مرورًا بالخديو إسماعيل نهاية بآخر حكام مصر من الأسرة العلوية الأمير محمد توفيق.
وأكد أن مصر انطلقت في الفترة الخديوية ووصلت إلى بلاد الصف الأول، والتي أنشأها الخديو إسماعيل، وكان ميدان التحرير يسمى ميدان الإسماعيلية وأنزل إسماعيل مقر الحكم من موقعه منذ عهد صلاح الدين الأيوبي من القلعة إلى وسط العاصمة، وبنى قصر عابدين، وافتتح قناة السويس وافتتح العديد من الترع الزراعية والطرق والكباري ودار الأوبرا الخديوية وحديقة الحيوانات، وافتتح أول برلمان فى الدول العثمانية والشرق الأوسط.
وتضمنت المقالة فترة تولي حكم محمد توفيق الابن الأكبر لإسماعيل بعد عزله بسبب رفضه الاتفاقيات القائمة بين الدولة العثمانية والدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا التي تعطى الامتياز للدول الغربية على حساب مصر.
ونوه إلى الإنجازات التي تمت في عهده، حيث قام ببناء الإسكندرية لتصبح لؤلؤة البحر المتوسط، وحافظ على آثار مصر الإسلامية والقبطية.
ومن الإنجازات التي تحدث عنها البرنس فترة تولى الخديو عباس حلمى الثاني عندما حكم مصر، فقد قام بالعديد من الجهود التي حافظت على مصر، فقد أكمل مشروع ترميم الآثار الإسلامية والقطبية، ثم أنشأ 5 متاحف من أهم متاحف مصر، المتحف المصري والروماني والقبطي والفن الإسلامي ودار الكتب بباب الخلق، والمتحف اليوناني بالإسكندرية، ومجموعة من الطرق والكباري والترع الزراعية، وتمكن من افتتاح أول برلمان منتخب عام 1914، إلا أنه عزل في نفس السنة.
وخلال فترة حكمه، عين حلمى الثاني أحمد شوقى الشاعر الرسمي له، وكان مهتمًا بالآداب، ومن الإنجازات التي تحسب له أنه عين أول رئيس وزراء قبطى بطرس غالى، وافتتح ألعابًا أوليمبية بالإسكندرية وغيرها من الأنشطة التي خلد التاريخ ذكراها ونسبت إليه من نهضة مصر الحديثة.
ومن ضمن المعالم التي تناولتها المجلة المساجد، حيث كانت تهتم بها الأسرة العلوية، فقامت بترميمها وتجديدها آنذاك، حيث كانت تهتم بجمال العمارة الإسلامية ومنها: مسجد الرفاعي وقامت ببنائه خوشيار هانم والدة الخديو إسماعيل عام 1869، ثم مسجد محمد على، ومسجد السلطان المؤيد، ومسجد السلطان قلاوون، ومسجد السطان حسن، والجامع الأزهر، الذي بدأ بناؤه عام 970 وتناولته يد التجديد في عهد الخديو إسماعيل.
وعلى الرغم من أن الأسرة العلوية كان اهتمامها بالعمارة وجمالها واستحداث أشكال معمارية حديثة على الطراز الفرنسي، إلا أن الجانب الديني والروحاني كان له نصيب من اهتماماتها، شهدت الطرق الصوفية ازدهارًا في عهد الخديوية، بل تم تأسيس طرق جديدة لعل أبرزها: الطريقة البكاشية والدمرادشية.
"أيام مصرية" تناولت خلال عددها حقبة الأسرة العلوية أي القاهرة الخديوية بكل تفاصليها حتى إنها تطرقت إلى الأفلام التي تناولت شخصية الخديوي في السينما، وكيف أظهرت السينما شخصية الخديو وملامحها في مساعدة الناس وشكل الشوارع والأماكن في تلك الحقبة وقد تناولهما فيلما سيد درويش عام 1966 وفيلم مصطفى كامل 1952.
ولم تنس الدفاع عن الناس والاهتمام بشئون حياتهم، فقد قامت بتأسيس نقابة المحامين وأول نقيب لها إبراهيم بك الهلباوي، وتأسيس جمعية الهلال الأحمر عام 1911 لنجدة أهالى طرابلس، وكان يتولى رئاستها الأمير محمد على شقيق عباس حلمى الثاني.
حقيقة تبرع الأميرة فاطمة لأرض جامعة القاهرة
وكشفت المجلة عن حقيقة غائبة عن أذهان الشعب المصري، وتم تداولها عبر التاريخ دون التصدى لتصحيحها، وهى: أن الأرض التي أقيمت عليها جامعة القاهرة لم تتبرع بها الأميرة فاطمة إسماعيل كما يعتقد البعض، فإن الحكاية كما رواها الكاتب الراحل عمرو إبراهيم فى مقالة له على صفحات المجلة جاءت كالتالي: "رغم أن تبرع الأميرة فاطمة إسماعيل السخى ثابت تاريخيًا، فإن تلك الأرض التي تقام عليها مبانى الجامعة لا تدخل ضمن قائمة تبرعاتها أصلًا".
وتابع: "والحكاية هو أن الأميرة فاطمة عرفت أن الجامعة تعاني من أزمة مالية كبرى تهدد إمكانية استمرارها فى مكانها بسراى جناكليز، وهى مقر الجامعة الأمريكية بميدان التحرير حاليًا، فقامت بمحاولة لشراء السراى وإهدائها للجامعة، ولكن المحاولة تعثرت فقررت أن تهب قطعة الأرض فى منطقة بولاق التكرور كما كان ينطق اسمها زمان".
وذلك لتقوم ببناء مبنى عليها يصبح ملكًا للجامعة، فلا تحتاج لمصاريف وإيجار شهري، وبالفعل تم التبرع وتم البدء فى البناء فى مقر الجامعة الجديد والمستقل في منطقة بولاق عام 1914 في حضور عباس حلمى الثاني.
غير أن ظروف الحرب العالمية الأولى تعذر معها الاستمرار في البناء واستكمال بناء الجامعة، فتوقف المشروع تمامًا لفترة، ثم تعود مرة أخرى فى عهد الملك فؤاد الأول مكانها الآن، مع الاحتفاظ بجملة أن هذه الجامعة من مآثر الأميرة فاطمة إسماعيل حسب وصيتها في التبرع الأصلى الذي قامت به.
وأما عن أشهر أماكن التجمعات للأدباء ورجال الأعمال والفنانين، فكانت الإذاعة المصرية حيث كانت تجمع الأدباء والشعراء والملحنين، وقبلها كان جروبي ملتقى طبقة رجال الأعمال الأجانب، ثم تحول مع مرور الزمن إلى مكان للمشروبات الساخنة والوجبات والمقابلات.
والمفاجأة التي لم يعرفها الكثير أن القاهرة الخديوية حصلت على وسام أجمل وأنظف المدن عام 1925، فى حوض البحر المتوسط حتى كان يفتخر بتجميل مدينتي باريس ولندن مثل القاهرة، ولم تنس المجلة التعليم من اهتمامات الأسرة العلوية والمدارس التي افتتحتها والكتاتيب ومدرسة الجيزويت القبطية وغيرها من الأبنية التعليمية التي أحدثت طفرة في الخديوية.
"أيام مصرية" رصدت حقبة بكل تفاصيلها عاشتها مصر على مدار قرن من الزمان، تناولت الأماكن جدرانها شاهدة على تاريخ وتحولات كثيرة في حياة المصريين.