مزيد من الإصلاح والشفافية
يقول المثل السائر إن «الغرض مرض»، وتقول القاعدة العلمية إن كل إنسان يفسر ما يتلقاه حسب ثقافته وأفكاره.. نحن الآن فى موسم «المرتزقة» والإعلاميين تحت الطلب والفئران المختبئة فى مجارى المدن الغربية.. أقلام للإيجار وأصوات تحت الطلب.. يستأجرهم عدو أو حتى صديق، ليس لديهم مانع ولا فارق ما دام الدفع بالدولار أو حتى بغيره.. المهم أن هذا «موسم» وهؤلاء تخصُّص هدد، ويظهرون فى الوقت الذى يُطلبون فيه ثم يعودون لمخابئهم مرة أخرى.. من المادة التى تكتب لهؤلاء ليرددوها أتأكد للمرة المليون أن النظام السياسى لدينا شريف جدًا جدًا.. ليست هناك شائبة فساد واحدة بنسبة واحد فى المليون.. لو كان هناك احتمال بسيط لما ترددت أجهزة المخابرات المختلفة بإمداد بعض مرتزقة «يوتيوب» بها.. لكن لا يوجد.. لذلك فالتركيز الآن على قلب المعانى واغتيال الشخصيات العامة وممارسة خطة واسعة للتشويه.. أنا مثلًا أرى فى ارتجال الرئيس على الهواء نوعًا من التواصل مع المواطن البسيط، وأيضًا نوعًا من إلغاء الوسطاء بين الرئيس والناس.. بمعنى أنه ليس هناك من يعلم ما يدور فى الغرف المغلقة ويتولى شرحه للناس عبر الشاشات مثلًا.. نوعًا من المباشرة يتسق مع طبيعة الرئيس وخلفيته المهنية، حيث يطلق على اجتماع القادة والضباط لمناقشة أمر ما لفظ «مؤتمر» ويطرح الجميع ما لديه مباشرة وبصراحة تامة.. ولكن ما يحدث أنه يتم قلب الرسائل التى يرسلها الرئيس وتحويلها من معنى إيجابى إلى معنى سلبى.. وهذه نقطة يجب الانتباه إليها.. على سبيل المثال الواقعة التى خاطب فيها الرئيس مجموعة من رجال المقاولات المصريين فيما بدا أنه اتفاق على القيام بمهام فى المشروعات القومية مع تقديم تسهيلات من جانبهم فى الشروط المالية.. من يعرف القوات المسلحة سيتأكد أن هذه العروض تمت دراستها جيدًا جدًا.. وأن المقاولين أنفسهم تم التأكد من كفاءتهم ووطنيتهم جيدًا.. أما طريقة الإعلان فهى تتسم بالفعل بتلقائية مفرطة، ولكنها فى العمق كانت تهدف للرد على شائعات ترددت عن استبعاد القطاع الخاص من الاشتراك فى المشروعات القومية، وتهدف أيضًا إلى تقديم وجوه جديدة من القطاع الخاص غير الوجوه التى نراها فى كل مجال منذ التسعينيات، وأظن أيضًا أن واحدًا أو أكثر كان بالصدفة مصريًا قبطيًا، وهذه رسالة للمتطرفين بأن الفرصة تذهب للأكثر كفاءة بغض النظر عن ديانته.. لكنك فى لحظة ما ستجد مهرجًا يظهر ليقول إن هذا دليل عدم احتراف وعدم شفافية وعدم حوكمة، وإلا فأين إسناد الأعمال للشركات بطريق المناقصة؟! نظريًا هذا كلام جميل.. ولكن أنا وأنت وهو شاهدنا مئات الأفلام منذ السبعينيات التى يُطلع فيها الموظف الفاسد مَن يقدم له الرشوة على عروض المنافسين ليفوز هو بالمناقصة! وأنا وأنت وهو قرأنا آلاف القصص عن وقائع رشوة أساسها فساد المناقصات والمسابقات وكل الأشكال التى تهدف لتكافؤ الفرص بين المتنافسين.. هذا واقعنا الذى ينخر فيه الفساد منذ نصف القرن على الأقل حتى أصبح هو القاعدة.. وعندما يظهر من يريد تخطى كل هذا الفساد والانخراط فى البناء يتم استهدافه بخطاب مدروس ومحدد وموجه لنفس الفئة التى تم استهداف إثارة غضبها قبل يناير ٢٠١١.. إننى من قراءتى لعدد من الأصوات الموجِهة من الخارج عبر وسائل مختلفة خطابًا مدروسًا يستهدف الفئة التى تحلم بأن ترى مصر دولة بالمواصفات الغربية فى العام المقبل مباشرة!! ولا تعرف شيئًا حقيقيًا عن الواقع المصرى.. ويستفز غضبها قلب الوقائع والحديث كثيرًا عن غياب «الحوكمة» مثلًا أو شائعات عن مبالغة فى نفقات رسمية أو رئاسية «الدولة أعلنت خطة تقشف وتنفذها بالفعل»، سنجد أن هذه الشائعات يتم إطلاقها فى توقيت واحد ومسارات متوازية.. وفى رأيى أن الرد يكون بإعلان الحقائق وإبطال الأكاذيب والحرص على إعلان سياسات الحوكمة «العمل وفق قواعد ثابتة» التى يتم تطبيقها بالفعل فى مؤسسات الدولة المصرية.. وأن تتولى د. هالة السعيد، وزيرة التخطيط، إعلان هذه الإجراءات التى تقع فى نطاق اختصاص وزارتها واهتماماتها.. نفس الأمر بالنسبة لشائعات أطلقتها إحدى الصفحات الممولة عن مشتريات فى قطاع الطيران المدنى المصرى، ومحاولتها إظهار ذلك وكأنه نوع من أنواع الإسراف الحكومى، رغم أنه قد يكون نوعًا من أنواع التوفير بطريقة غير مباشرة.. نفس الأمر بالنسبة للحوار الوطنى.. حيث تمتلئ الشاشات بضيوف يشرحون ماذا سيقولون فى الحوار والأولى أن نبدأ الحوار نفسه على الشاشات.. لدينا عشرات الموضوعات التى ليست فى حاجة لبدء حدث الحوار نفسه كى نتحدث فيها.. هناك مثلًا الشائعات التى يتم تداولها حول تطوير حدائق المنتزه.. وهل تراعى الشركة التى تقوم بالتطوير الطراز المعمارى والتاريخى أم لا؟ وهل الصور المنشورة تعبر عن الحقيقة أم تتعمد التشويه؟ من واجب الإعلام أن يناقش هده القضية مع المسئول عن التطوير.. وأن يطمئن الناس، وإذا كان هناك اتجاه خاطئ فى تصميم المناطق التجارية التى تمت إضافتها فلا بد من تعديله.. وهذا كله لا يمس الدولة فى شىء.. لأن الفئة المستهدف إثارة غضبها بهذه الصور هى نفسها الفئة التى تم استهدافها من قبل الشريحة الوسطى المتعلمة من الطبقة الوسطى والشباب الذى يحلم ببلد أفضل وبمواصفات غربية للحياة فى مصر.. هؤلاء ليسوا مغرضين ولا أصحاب مصلحة فى معظمهم ولكن يتم استهدافهم من عملاء مدربين و«مقاولى هدد» محترفين.. وعلينا أن نواجههم بمزيد من الإصلاح والشفافية والحوكمة لأن هذا يفيد ولا يضر.