في ذكري رحيلها.. تعرف على القديسة «جان أنتيد تورية»
تحي الكنيسة الكاثوليكية اليوم، ذكري رحيل القديسة جان أنتيد تورية، ويروي الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني، سيرتها في بيان قائلاً: «ولدت جان انتيد تورية في 27 من نوفمبر عام 1765 بقرية (سانسيه) في فرنسا، وكان لها سبع من الأخوات، هى الخامسة في الترتيب، ومرضت والدتها، وساءت حالتها كثيرًا، فعهدت بالطفلة إلى خادمة؛ لترعاها، ولكنها كانت طائشة فعرضت حياة الطفلة إلى الخطر أكثر من مرة».
وأضاف: «ولما ترعرعت الفتاة أخذت تقوم بخدمة والدتها، وكانت أمها تُلقنها مبادئ الدين، والعبادة، حتى رسخ الإيمان في قلبها، وتوفيت والدتها، وهى في سن الخامسة عشرة من عمرها، فعهد إليها والدها برعاية المنزل مع عمتها، وكانت عمتها شرسة الأخلاق».
وتابع: «نمت بذرة الإيمان في قلب جان انتيد، و شعرت بنداء الرب لها لتصير راهبة، فطلبت من والدها بركته الأبوية قبل أن تغادر المنزل، وانطلقت إلى الدير نحو رهبنة المحبة التابعة للقديس فانسان دي بول في باريس عام 1787، وأمام جموع الأطفال والمرضى والفقراء، كانت تردد في قلبها: "سأكرس لهم ذاتي كليا"، وكانت تشعر بنداء قوى في أعماقها، فكانت تتفانى في خدمة الكل».
وأكمل: «وقرب الاحتفال بارتدائها الزي الرهبانى، أصيبت بوعكة صحية شديدة، فنقلت إلى المستشفى، وبعد وقت قصير شفيت بنعمة الله، وأقيم حفل ارتدائها الزي الرهباني في أكتوبر 1788م، وفي عام 1789 قامت الثورة الفرنسية، وبقيامها دقت ساعة المصير لراهبات المحبة، ورغم ذلك فقد صمدن، وبقين في خدمة مستشفى (براى سوزسوم) أمام الثوريين الذين كانوا يرون في تصرفهن تحديًا، على أن يتجرأن ويتجولن في المدينة».
وواصل: «وفى عام 1795 خمدت الثورة، و لكن جان انتيد لم تكف يوما عن التفكير في الرب و نذر حياتها له، فانضمت إلى راهبات ينتمين إلى رهبنة العزلة والخلوة المسيحية التى أسسها الأب ريسفور، ولكن سويسرا رفضت هذه الجمعية وطردتهم، فاضطر الأب ريسفور إلى ترك البلاد واللجوء إلى بافاريا، و في ذلك الوقت كانت جان انتيد هى المسؤولة عن الاعتناء بالمرضى من الراهبات والرهبان ومعالجتهم، وبعدها ذهبوا إلى النمسا وبعد مسيرة طويلة وشاقة بين البلاد، توقفت جان انتيد في اينزيدلن، و تقابلت مع كاهن، فقال لها: "يا ابنتي أرى أن مشيئة الرب هى أن تعودي إلى فرنسا كإبنه للقديس منصور دي بول، وتبشرين الفقراء».
وأردف: «في يوليو 1797 وصلت جان انتيد إلى لاندرون في سويسرا، و هناك التقت مع كاهنين لاجئين من فرنسا هما شافواى و باكوف، فقالا لها: "الشبيبة المهملة تنتظرك في فرنسا إبدئي بمدرسة، و قومي بتكوين فتيات مثلك، وسيكون الخير العميم على يديك، وسنرجع إلى فرنسا بعد عودة الهدوء النسبي إليها وعليكي أن تعودي وتجمعين الفتيات وتعلميهن، وتؤسسين معهدًا للشبيبة ولإعالة البائسين».
وأكمل: «وعادت جان انتيد إلى سانسيه في عام 1797، ووضعت نفسها تحت تصرف الأهالي وخدمتهم وبسبب الثوار المتطرفين مكثت سنه كاملة عند أرملة في لاجرانج، وعادت إلى مباشرة رسالتها، فاستأجرت حجرة في مارتليون بزنسون، وبدأت فيها بالتدريس للفتيات الصغيرات في 11 ابريل عام 1799، وفي غضون أيام قليلة اكتظت المدرسة بالطالبات، فاستأجرت منزلا أكبر، وعاشت جان انتيد مع الطالبات في المحبة والاحترام».
واستطرد: «رأت جان انتيد انه من الضروري وضع قوانين للمعهد الذي أسسته، فذهبت إلى دير لراهبات في مدينة "دول" لتكون في عزلة وهدوء أكثر وطلب المحافظ الجديد من الراهبات الاهتمام بسجن بيفلو الخاص بالسجناء والسجينات السياسيين قائلا: "بعد أن عجزت السلطات المدنية عن إحراز أية نتيجة فان الراهبات قد ينجحن، بفضل ما يتحلين به من محبة وبساطة". وفعلا ذهبن وحولن السجن إلى شعلة نشاط، ودب النظام فيه، وحرصن على النظافة، وساعدن السجناء على القيام بأعمال كثيرة مع تغيير إسلوب حياتهم والسعي نحو الفضيلة والصفاء. وفى هذه الأثناء ألغيت الإجراءات الثورية، فتمكنت الأخوات من ارتداء الثوب الرهباني».
وأضاف: «وعقدت الرئيسات للمنظمات الخيرية في فرنسا اجتماعا بإشراف السيدة ليتتسيا والدة الإمبراطور نابليون، والتي عرضت على جان انتيد أن تعطى للمعهد إسم راهبات المحبة بيزنسون، وفي آخر المؤتمر تم توزيع أوسمة تذكارية بإشراف الوزير برتالس وكرمت جان انتيد بهذا الوسام كرئيسة لراهبات المحبة، وذلك تقديرا لمجهوداتها العظيمة، ثم طلبت الملكة ليتتسيا افتتاح فروع لأعمالها ومشاريعها الخيرية في ايطاليا فذهبت مع ثمانية من أخواتها إلى نابولي».
واختتم: «وبعد رحله طويلة من أداء الرسالة على أكمل وجه، توفيت جان انتيد عام 1826، وهي تبلغ من العمر واحدا وستين عاما وفي 14 يناير 1934، أعلن البابا بيوس الحادي عشر أن جان انتيد قديسة».