بلاها «باريس سان جيرمان» يا صلاح
ماذا يريد المثليون من العالم؟
لهم منصة تنتج أفلامًا ومسلسلات عن حياتهم وعواطفهم ومشاكلهم وبلاويهم، بالضبط كما تنتج أفلامًا ومسلسلات عن عواطف وبلاوى غير المثليين، ولديهم دول وولايات تقر بزواجهم، وتعترف لهم قوانينها بكل ما يريدون من حقوق، ومنهم نجوم وشخصيات عامة، ومتحدثة رسمية باسم بيت الرئيس الأمريكى.. يدعمهم رياضيون وفنانون ورجال أعمال، ومنظمات وهيئات ومؤسسات حقوقية واجتماعية ومالية بل ودينية أيضًا.. طب عايزين إيه تانى؟
ربما كان مقبولًا التعامل مع مظلوميتهم فى وقت سابق، ومنذ سنوات طويلة كمان، لكن ما يحدث الآن شىء غريب، وعجيب، ومريب أيضًا.. والحقيقة أننى أتصور أنه من عجائب هذا الزمن أن يتقمص صاحب المظلومية دور المفتش فى الضمائر، الذى يريد إجبار الآخرين على التعاطف معه، ودعمه، ولا يرضيه حياد ذلك الآخر، أو صمته عمّا يفعله صاحب المظلومية!
فأى حريات يتحدث عنها مجلس أخلاقيات الاتحاد الفرنسى لكرة القدم؟ وأى أخلاقيات يقدمها فى استدعائه اللاعب السنغالى إدريسا جاى، لاعب نادى باريس سان جيرمان، ومساءلته عن «نواياه»، أو ما لم يصرح به، ويطالبه بالرد على «شائعات وأقوال»؟، حسب تعبيره فى نص خطابه إلى اللاعب.
كل ما قام به اللاعب أنه لم يشارك فى مباراة مخصصة لدعم المثليين جنسيًا، ويرتدى فيها كل لاعبى الدورى الفرنسى قمصانًا تحمل أرقامًا ملونة بعلم «الرينبو»، ودون أن يسىء إلى أحد، هو فقط لم يلعب المباراة «لأسباب شخصية»، حسبما قال مدربه، ولم يفعل أى شىء، لم يصدر عنه أى فعل، لا تصريح ولا تجريح ولا دعاية، ولا كلمة واحدة.
ولعله من المدهش أن يضطر شخص فى وقتنا هذا إلى الكلام عن حقه فى اختيار ما يناسبه من معارك، أو قضايا، دون تفتيش فى ضميره، أو البحث عن مكنونات صدره.
والأكثر إدهاشًا أن يحدث ذلك فى دولة تقول عن نفسها إنها بلد الحقوق والحريات، ويطلقون على عاصمتها لقبًا لا تنازعها فيه مدينة أخرى «عاصمة النور»، ويراها مواطنو دول أخرى واحة للإنسانية، فأى إنسانية يقدمها اتحاد الكرة الفرنسى فى تلك الرسالة التى وجهها إلى «جاى»؟، والتى يقول فيها نصًا: « إما أن هذه الافتراضات لا أساس لها من الصحة، ونحن ندعوك للتحدث علانية من أجل إسكات هذه الشائعات.. ندعوك، على سبيل المثال، إلى إرفاق رسالتك بصورة لك وأنت ترتدى القميص المعنى».
أى نموذج للحريات تقدمه فاليرى بيكريس، المرشحة المحافظة فى الانتخابات الفرنسية الأخيرة؟ وأى مزايدة رخيصة كانت تفكر فيها وهى تكتب تلك التغريدة التى تقول فيها ما نصه: «إن لاعبى نادٍ لكرة القدم، ولاعبى باريس سان جيرمان على وجه الخصوص، هم أرقام تعريفية لشبابنا.. وعليهم واجب أن يكونوا قدوة لهم، ورفض إدريسا جاى الانضمام إلى تلك المباراة جريمة، لا يمكن أن يبقى رهاب المثلية دون عقاب»؟.
الحقيقة أننى لا أعرف إن كانت المرشحة «الساقطة فى الانتخابات» مثلية جنسيًا أم لا، ولا يعنى أى أحد ما تفعله بجسدها، لكن وصف سلوك إدريسا جاى بأنه جريمة هو الجريمة التى تستوجب العقاب، ومحاولات إجباره على تبنى ودعم ما يخالف رأيه ومعتقداته، وتبنى معارك لا تخصه، هى الجريمة التى تستوجب الاستنكار، والإدانة، والعقاب.. ليفعل أعضاء مجلس أخلاقيات اتحاد الكرة الفرنسى ما يشاءون بأجسادهم، فلا يعنى ذلك أى أحد، لكنه ليس لديهم أى حق فى إجبار أى كائن على ارتداء ما لا يريد أن يرتدى، من حق «جاى»، مثل أى شخص على وجه الأرض، أن يختار معاركه، ومواقفه، ومن حقه أن يتجاهل تلك المعارك التى لا تناسبه، وهو ما عبّر عنه المعلق الرياضى الجزائرى حفيظ دراجى، عبر حسابه الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» بقوله: «إن الحضارة التى تدعو إلى احترام حرية المثليين وتحرم اللاعب السنغالى حريته فى التعبير والتصرف، هى مجرد كذبة لا يمكن تصديقها، خاصة أنه وقّع مع النادى الباريسى لممارسة الكرة، لا لتأييد الشذوذ أو معارضته».
على أن الأمر لا يخلو من طرافة، نبهنى إليها صديقى الدكتور محمد الباز عندما كنت أحدثه عن قصة «جاى»، حيث رد ممازحًا: «كان زمانهم بيعملوا كده مع صلاح».
فعلًا، كان زمانهم بيعملوا كده معاه، ولعله من حسن الطالع أن تحدث تلك القصة بينما لم يحسم ابننا محمد صلاح موقفه من الانتقال إلى النادى الفرنسى، ولم يغلق ملف مفاوضاته مع ليفربول، وإلا كان هو محور الضغط الآن، وهدفه.
فعلًا، مصائب قوم عند قوم فوائد.. بلاها باريس سان جيرمان بقى يا صلاح.