نريده حوارًا موضوعيًا
ما زلنا نرصد ونتابع حالة الحراك السياسى غير المسبوق الذى أحدثته مبادرة السيد الرئيس لإطلاق حوار وطني يهدف إلى ترسيخ الحياة الديمقراطية والإصلاحات السياسية والرؤى الاقتصادية على ضوء تلك الأزمات التى يشهدها العالم كله حاليًا وغيرها من الملفات والجوانب المهمة التى تؤثر بلا شك على مستقبل الدولة المصرية وترسم ملامح الجمهورية الجديدة.
منذ أن تحدث السيد الرئيس عن تلك المبادرة حتى انطلقت سلسلة طويلة من اللقاءات والاجتماعات والنقاشات بين العديد من الأطراف والأحزاب والشخصيات التى كانت على هامش مجال العمل العام خلال السنوات السابقة وتصورت أن الفرصة أصبحت سانحة لها لكى تعود من خلال طرح العديد من الأفكار والآراء غير المنطقية لمجرد لفت الأنظار إليها حتى ولو كانت أفكارهم مرفوضة شعبيًا ومنطقيًا، حيث إن تلك الأفكار من الممكن أن تعود بالدولة إلى فترة ما قبل ثورة يونيو 2013 عندما كان لهم وجود بشكل أو بآخر سواء كان وجودهم مرتبطًا بحكم جماعة الإخوان الإرهابية أو كان وجودهم مرتبطًا بتوجهات وتوجيهات ترد إليهم من الخارج بهدف الحفاظ على حالة السيولة والتوتر والانفلات الأمنى فى البلاد لأطول فترة ممكنة.
لقد رأينا وسمعنا بعضهم يطلق العديد من التصريحات الإعلامية التى تحمل اتهامات للدولة المصرية بالفشل على الرغم من حالة الاستقرار غير المسبوقة والإنجازات التى شهد لها الجميع والتى لولا تلك الحالة الاقتصادية المتردية التى يمر بها العالم حاليًا نتيجة الأحداث الدائرة بين روسيا وأوكرانيا المدعومة بحلف الناتو لكان لمصر شأن عالمى كبير على كافة المجالات النهضوية.
تناسى هؤلاء أن الهدف الأسمى للحوار الوطنى هو جمع كافة القوى الوطنية والكيانات المخلصة للتأكيد على ثوابت حالة الاستقرار والعصف الذهنى لصياغة ملامح مرحلة جديدة من مراحل الدولة المصرية، وهى مرحلة الدخول إلى الجمهورية الجديدة بصياغة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة تهدف إلى تحديد المفاهيم المطلوبة لتحقيق هذا الهدف على أن يكون ذلك مقترنًا بالتجرد من أى مصالح أو أهواء شخصية وبعيدة عن المزايدات والمغالطات.
لأن الأمر أسمى بكثير من مصالح ذاتية ضيقة أو حزبية محدودة وقاصرة، لأن الأمر يتعلق بمستقبل هذا الوطن وهو ما كان يهدف إليه السيد الرئيس عندما أطلق تلك المبادرة المخلصة بعد أن اطمأن إلى حد كبير من عبور الكثير من الصعوبات والتحديات الجسام، وما زال يواجه تهديدات ومخاطر من الداخل والخارج وهو ما جعله يطالب الجميع بأن ينصهر فى بوتقة الوطن بعيدًا عن الأهواء الشخصية أو المصالح الحزبية، حيث أصبحنا حاليًا فى أشد الحاجة إلى من يملكون الوعى والفهم والقوامة الوطنية التى تسقط كل الحسابات والمصالح الشخصية.
من بين ما تابعته خلال الأيام الماضية تلك المحاولات التى تهدف إلى قصر الحوار الوطنى الشامل على رؤية سياسية داخلية محدودة تمثلت فى المطالبة بالإفراج عن هؤلاء المسجونين والمحكوم عليهم بأحكام قضائية نهائية حتى ولو كانوا من القتلة والمخربين والمتآمرين الذين استهدفوا الدولة بالعنف والقتل والتخريب والإرهاب والترويع وأيديهم ما زالت ملطخة بدماء الأبرياء من أبناء هذا الشعب ورجاله من القوات المسلحة والشرطة.
وأيضًا تلك المطالبات بانتخابات رئاسية جديدة كما لو كانت البلاد تمر بظروف استثنائية...والبعض الآخر يطالب بحل مجلسى الشيوخ والنواب وتغيير الدستور بالكامل كما لو كانت الدولة قد سقطت ويعاد تشكيلها من جديد.
نحن نريد حوارًا وطنيًا موضوعيًا شاملًا وليس قاصرًا على رؤية محدودة أو أهداف خاصة...حوار يهدف فى المقام الأول إلى ترسيخ دعائم الجمهورية الجديدة وتوسيع نطاق مناقشة القضايا التى تهم عموم الشعب المصرى بكل طوائفه وفئاته بما يتيح تكوين توافق وطنى أوسع نطاقًا يشمل الاهتمام بكافة الموضوعات المطروحة على الساحة الداخلية وأيضًا الخارجية بكل ما يعانيه الوطن من أخطار وتهديدات وبكل ما يحلم بتحقيقه من آمال وطموحات...ومما لا شك فيه أن هناك رؤى مختلفة سوف تظهر خلال تلك المناقشات وهو أمر مطلوب ومحمود لأن الحوار سوف يشمل جميع التوجهات الفكرية والسياسية عدا قوى التطرف والإرهاب والقوى الثورية الساعية إلى تقويض النظام وإعادته إلى نقطة الصفر.
نحن نريد حوارًا وطنيًا تشاوريًا متواصلًا بين جميع مكونات المجتمع المصرى وكياناته السوية التى تهدف إلى الصالح العام...نريد حوارًا تشارك فيه جميع القوى الوطنية والشخصيات العامة والنقابات والهيئات والعمال والفلاحين، بحيث يصل بنا فى النهاية إلى كيفية تحويل هذا الحوار إلى الأسلوب الأمثل لإدارة الدولة المصرية بحيث يكون هناك تواصل مستمر بين الحكومة وأصحاب المصالح الحقيقيين الذين يسعون إلى النهوض بشأن البلاد والعباد...نريد حوارًا يتجاوز الحدود الضيقة والتنافس الشخصى إلى الآفاق الشاسعة التى تهدف إلى مصالح الوطن بالكامل.
لقد جاءت الدعوة للحوار الوطنى فى توقيت بالغ الحساسية والخطورة، وها نحن نرى العالم من حولنا يئن من تبعات التوترات الدولية والصراعات السياسية والعسكرية المتزايدة ومحاولات الاستقطاب الدولى التى قد تصل بالعالم إلى انقسامات ونزاعات لا يعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالى، والتى سوف تكون لها بطبيعة الحال خسائر جسيمة على كافة الأصعدة خاصة الاقتصادية، وها نحن نرى شركات عالمية أعلنت إفلاسها وبنوكًا دولية أعلنت إغلاقها بل ونرى دولًا تناشد العالم ضرورة النظر إلى شعوبها ودعمه بالسلع الأساسية التى تعينه على الحياة.
ومن هنا فإننا على ثقة من وعى الشعب المصرى بضرورة الاهتمام بهذا الحوار بشكل موضوعى وقابل للتنفيذ حتى ولو تم ذلك على عدة مراحل ....ولكن الأهم من كل ذلك أن يعى شعبنا الأصيل أن هناك قوى داخلية وخارجية لا تريد لنا الاستقرار والأمن...قوى تزعجها تلك الحالة من الثبات والثقة والالتفاف حول قيادته السياسية وتسعى إلى نشر الفتن والشائعات والخراب والإرهاب فى البلاد.
إن التحديات جسيمة والأخطار كبيرة، ولكننا شعب اعتاد على تجاوز الأزمات والتغلب عليها مهما كانت صعوبتها وخطورتها.. وتحيا مصر.