إلى متى تستمر الحرب الروسية؟.. وبِمَ تنتهى؟
بدأت الحرب الروسية فى أوكرانيا فى ٢٤ فبراير الماضى، وها هى تدخل شهرها الرابع وتثير بذلك العديد من الأسئلة إلى جانب القلق العميق.. إلى متى تستمر الحرب؟ وبِمَ قد تنتهى؟ ولو أن العملية العسكرية كانت تستهدف تدمير مواقع وأهداف بعينها لكان لها أن تنتهى من مدة فى ظل اطّلاع الأجهزة الروسية على أماكن وطبيعة تلك الأهداف.
وقد تواصل روسيا حربها إلى أن تجبر أوكرانيا على تغيير الرئيس زيلينسكى- حامل جواز السفر الإسرائيلى الذى يتباهى بأنه سيجعل من أوكرانيا «إسرائيل كبرى»- وانتخاب أو تعيين رئيس آخر يدرك أهمية وضرورة حياد أوكرانيا بين «الناتو» وروسيا، والكف عن حشد أسلحة حلف «الناتو» على حدود روسيا.
أو أن يقبل الرئيس الأوكرانى الحالى بوضعية حياد بلاده بين المدافع الروسية وأموال حلف «الناتو» ومعداته العسكرية، وخلال الحرب يتم حشد ذكريات الماضى على الجانبين وقودًا للحرب، واستنفار المشاعر القومية، والتذكير بأن روسيا كانت تحتل أوكرانيا قبل الثورة البلشفية إلى درجة إزالة النصب التذكارية الروسية فى أوكرانيا، منها تمثال القائد العسكرى الروسى ألكسندر سوفوروف، الذى يمثل صفحة خاصة من الأمجاد العسكرية زمن فتوحات الإمبراطورية الروسية وضم القرم وفنلندا وروسيا البيضاء، وغيرها.
ويجسد الجنرال سوفوروف نموذجًا خاصًا لدى الروس، لأنه خاض ستين معركة لم يُهزم فى واحدة منها، كما أنه صاحب كتاب «علم الانتصار» الذى قال فيه: «كل ما هو صعب فى التدريب يصبح سهلًا فى المعركة».. تحشد أوكرانيا ذكريات الماضى الذى طواه الزمن منذ أن أصدر لينين مرسوم حق تقرير المصير الذى تحررت بموجبه المستعمرات القيصرية من البقاء ضمن روسيا، واستقلت على أساسه فنلندا وغيرها.
أما روسيا فتحشد بدورها ذكريات أمجاد الفتوحات التى كانت أمرًا واقعًا زمن الإمبراطوريات الكبرى، ولهذا يكتب أديب كبير هو زاخار بريليبين، «تُرجم بعض رواياته إلى العربية»، ويشير إلى القول الشائع: «الروس لا يبدأون الحروب، الروس ينهون الحروب»، ويضيف إلى تلك المقولة أن الروس إحقاقًا للحق كانوا أيضًا «يبدأون الحروب» كلما كان ذلك قدرهم.
وقد أشار الرئيس بوتين، فى خطاب له، إلى خلع تمثال سوفوروف من مكانه، وقال بنبرة أسف: «لقد أزيل نصب تذكارى لألكسندر سوفوروف فى بولتافا، ماذا يمكننى أن أقول؟ هل يمكن للمرء أن يتخلّى عن ماضيه؟ عمّا يُسمَّى بالتراث الاستعمارى للإمبراطورية الروسية؟».. بطبيعة الحال لا تصلح أمجاد الماضى الذى ولّى أن تكون ذريعة روسية للحرب.
أيضًا لا تصلح أحزان الماضى الذى ولّى أن تكون ذريعة لأوكرانيا لمراكمة أسلحة «الناتو» على حدود روسيا، الماضى يجب أن يطوى، بأمجاد الغزو ومرارة الآخرين، ولا ينفع خلال ذلك تأجيج المشاعر القومية لدى أى من الطرفين، خاصة عندما يطول أمد الحرب وتصبح أخبارها مثارًا للقلق، ولطرح التساؤلات عن احتمال نشوب حرب نووية، تهدد العالم بأسره.
بدخول الحرب شهرها الرابع تتزايد الأسئلة وتتضاعف المخاوف ويغيب أفق التمسك بالمنطق وصولًا إلى حل يرضى الجميع، بعد أن أصبح الجميع طرفًا فى الحرب، البعيدون عنها والقريبون منها، الذين يعانون من تبعات الأزمة الاقتصادية، والذين يعانون من تبعات الحرب العسكرية مباشرة، أمسينا جميعًا طرفًا فى حرب لم نبدأها ولسنا نحن من سينهيها.