مشاهدات فى بلد الألف يوم «٣»
تحتل كلمة «الأوبرج» مكانة فى الذاكرة، ترتبط بالأصالة، الثراء، الأرستقراطية.. و«auberge» كلمة فرنسية بمعنى الكوخ أو المخيم.
وعندما نسمع فى أحد أفلام الأبيض والأسود عبارة «سنسهر الليلة فى الأوبرج» فهذا يعنى أن هذا الفيلم إنتاج ما بعد قيام ثورة ١٩٥٢، ففى عهد الملكية كان القصر هو استراحة ملكية شتوية، يقتصر الحضور فيه على العائلة المالكة وضيوف الملك فاروق من النبلاء والباشوات الذين تتم دعوتهم إما للحفلات الملكية أو لممارسة هواية الصيد رفقة الملك فاروق، ولم يكن الأوبرج متاحًا للزيارات العامة.
يعود تاريخ «أوبرج الفيوم» إلى عام ١٩٣٧، عندما قرر الملك فاروق إنشاء استراحة شتوية على ضفاف بحيرة قارون بالقرب من هضبة الفيوم، حيث الهدوء والطبيعة الخلابة التى تجمع بين الماء والصحراء، كما أنها مكان مميز لممارسة الملك هوايته المفضلة وهى صيد الأسماك والبط والأرانب البرية والطيور المهاجرة، فتولى المهندس الإيطالى «ألبرت زنانيرى» مهمة إنشائه، فأسسه على الطراز الإيطالى الريفى، ليكون استراحة للراحة والاستجمام أثناء فترات الصيد، ومقصدًا لعدد من المناسبات الملكية، مثل الاحتفال بأعياد شم النسيم.
وشهد إقامة عدد من كبار الشخصيات السياسية والفنية على مستوى العالم، أشهرهم رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «وينستون تشرشل» الذى التقى «الملك عبدالعزيز آل سعود»، ملك السعودية، فى الاستراحة الملكية وقتذاك، فى فبراير ١٩٤٥ على هامش مؤتمر «الأقطاب لدول الحلفاء»، والذى حضره الرئيس الأمريكى «روزفلت» وقتها فى القاهرة، إلا أن الملك عبدالعزيز فضّل الإقامة فى أوبرج الفيوم.
وبعد قيام ثورة ١٩٥٢ وتحويله إلى فندق ظل «الأوبرج» لسنوات عديدة مكانًا لا ينزل به سوى النخبة والأجانب، وتعقد فيه الاجتماعات السياسية، والحفلات الراقية، وصار مقصد صناع السينما، حيث تم تصوير العديد من الأفلام السينمائية القديمة.
ورغم مرور السنين لم يتخلَ الأوبرج عن طابعه الرصين، فهو الفندق الوحيد خمس نجوم بمنطقة الفيوم، وحافظت إدارة المكان على إجراء التعديلات التى لا تقلل من قيمة الفندق التاريخية، فلم تتدخل فى الطراز الأساسى والطابع الريفى الخاصة به، فلا يزال «الأوبرج»، تفوح منه رائحة عبق التاريخ، من الحوائط التاريخية والغرف الملكية.
وقد سمحت لى الظروف بالإقامة مرتين فى الأوبرج، فتأكد لى سحر المكان وعبقه التاريخى الذى يحيط بك بمجرد الدخول من البوابة الرئيسية، حيث واجهة المدخل مزينة بصور المناسبات الملكية التى شهدها المكان، ومنها صور للاحتفال بشم النسيم فى حضور الملك فاروق والملكة نازلى والملكة فريدة وعدد من الأميرات، فتم تزيين قاعة الاستقبال بالزهور والبالونات، وتوجد صور للملك فاروق وهو جالس على مكتبه بالجناح الملكى، وصور له مع أحد كلاب الصيد، وصورة له «بدقن»، وصورة وهو يجلس مع أفراد حاشيته حول مائدة مستديرة، وصورة حول مائدة الطعام وفى خلفيتها يظهر السفرجية بقفطانهم الأبيض المميز.. وعلى الجانب الآخر من الجدار توجد صور لتشرشل والملك عبدالعزيز فى حديقة القصر المطلة مباشرة على البحيرة، وصور لاجتماعات الملك عبدالعزيز وتشرشل.
وفى الممر المؤدى لبهو الاستقبال توجد على الجانبين صور لأفيشات الأفلام التى تم تصويرها فى الأوبرج، أو أقام نجوم وصناع الفيلم فيه أثناء التصوير فى ريف الفيوم مثل: شمس لا تغيب، شاطئ الحب، الفانوس السحرى، الأرض، الحرام، مع الذكريات، البوسطجى، المواطن مصرى.
فى البهو الرئيسى للفندق يتناثر أثاث ذو طابع كلاسيكى، وتنتشر وتتخد أبواب القاعات شكل الأقواس أو نصف الدائرة، وتوجد مدفأة تعلوها صورة وينستون تشرشل، وفى مقابلها توجد صورة الملك عبدالعزيز آل سعود.. ويضم الفندق أربع قاعات، واحدة منها تحمل اسم تشرشل، والقاعة الملكية، وقاعة السفير، وقاعة قارون.. ويتكون الأوبرج من طابقين فقط يربط بينهما سلم فسيح، مفروش بالسجاد، ويتميز الدرابزين بمشغولاته الزخرفية من الحديد والنحاس.. وتتوزع غرفه التى يبلغ عددها خمسين غرفة تقع فى طابقين، الأرضى والعلوى، ويطل معظمها على بحيرة قارون.. كما يحتوى على ثلاثة أجنحة، أشهرها الجناح الملكى، ويشغل طابقين، وفى الأرضى توجد قاعة استقبال تحوى صالونًا مذهبًا، أزرق اللون، ومائدة طعام مستديرة وحجرة صغيرة للمكتب، ولها تراس كبير يطل على البحيرة والحديقة، ويوجد بالاستقبال عدد من قطع الأنتيكة، مثل جهاز الجرامافون، وجهاز راديو قديم، وتليفون قديم، وعدد من الفازات واللوحات للزهور.
وعلى جدران الطابق الأول فى المدخل توجد مجموعة صور للملك فاروق منذ أن كان طفلًا صغيرًا، حتى وصل للعرش، وصورة كبيرة له وهو طفل، وفى الاستقبال توجد صور للملكة فريدة، وصورة لزفاف الملك والملكة ناريمان.. وعلى السلم الخشبى الذى يربط غرفة الاستقبال بغرف النوم فى الطابق الثانى تتجاور صور حكام مصر من الأسرة الملكية: محمد على، سعيد، إسماعيل، توفيق، فؤاد، ثم غرفة النوم الملكية التى يميزها وجود التاج الملكى فوق السرير، وشعار الملكية الموجود على اللوحات التشكيلية.
وللحديث بقية..