هنا باكورة «الدلتا الجديدة».. الدستور في جولة وسط زراعات «الذهب الأصفر» بمشروع مستقبل مصر
40 ألف فدان من القمح يضافوا لسلة المخزون الاستراتيجي وتقلل فجوة الاستيراد
وسط سنابل القمح الذهبية التى كنت أتحسس ملمسها بيدي كان ضوء الشمس يلمع وينضوى ليرسم ابتسامات موسم حصاد الخير ومعه يرسم مستقبل مصر التى قطعت شوطاً عملاقاً من طريق الأمن الغذائي للمصريين منعاً لأى احتمالية ليكونوا عرضة أو يتوقف مستقبلهم ومستقبل أولادهم لما يجري فى الساحة العالمية من حروب وجوائح وكوارث وتغيرات مناخية.
دخلت مناطق زراعات "القمح" إلى جانب العديد من الزراعات الأخرى بمشروع "مستقبل مصر" الممتد على مرمى البصر فى حلة من الدهشة وعيني ترنو نحو الرمال الصفراء الذي حولها المصريين إلى جنة خضراء مزهرة ضمن مشروع "مستقبل مصر للزراعة المستدامة" الذى بدأ العمل على تنفيذه 5 سنوات بالتمام والكمال بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى، بهدف التوسع فى إنتاج محاصيل زراعية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة لزيادة الإنتاج المحلى وتقليل الواردات وتصدير الفائض إلى الخارج، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة.
حينما ترجلت بين أعواد وسنابل القمح والهواء يهدهدها لم تكن تفارقني المقطوعة الموسيقية الذي كتبها قبل سنوات زياد الرحباني بعنوان "وقمح" وصوت فيروز يتماهى مع حركة القمح الذى كان على هيئة دوائر عملاقة نظراً لأنظمة الري الحديثة بها والموسيقى دون كلمات فقط الصوت يروح ويجيء، وذلك بعدما دلفت لأرض المشروع الواقع على بعد نحو ٣٠ دقيقة من مدينة السادس من أكتوبر، وإلى جوار امتداد محور روض الفرج - الضبعة الجديدة، وبعمق يزيد على 60: 70 كيلومترًا، وطول نحو 120 كيلومترًا، خاصة أن المشروع قسم أراضيه إلى قطع متساوية بمساحة ١٠٠٠ فدان لكل قطعة عبر ٥٥ طريقًا طوليًا و٣٥ طريقًا عرضيًا.
لا يخفى على أحد ما يجري فى الساحة العالمية فى ظل الأزمة الأوكرانية الروسية خاصة أن مصر تستورد نحو 70% من احتياجتها للقمح من الدولتين ما أصاب سلالسل التوريد بأزمة عالمية كبيرة، إلا أن الكنز المصري فى الدلتا الجديدة بين مشروع "مستقبل مصر" و"توشكا" حمى المصريين من تلك الأزمات الصعبة، ليس هذا فقط بل لأن موقع المشروع سمح له بتوافر الأيدى العاملة، وسهولة الوصول إلى مستلزمات الإنتاج، كالأسمدة والمبيدات والبذور والمعدات، بالإضافة إلى سهولة توصيل المنتجات النهائية إلى الأسواق المحلية وموانئ التصدير البحرية والجوية.
وفى ظل الدعم الكامل من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، وفَّر مشروع «مستقبل مصر» نحو 10 آلاف فرصة عمل مباشرة، وأكثر من 360 ألف فرصة عمل غير مباشرة، مع تطبيق أعلى معايير السلامة والصحة المهنية فى بيئة العمل، لضمان سلامة العمال والموظفين.
ووفقًا لمسئولى المشروع، وبعد إتمام البنية الأساسية، فقد تم استصلاح وزراعة مساحة 350 ألف فدان بإستخدام 2600 جهاز رى محورى مطور والتى يتم زراعتها مرتين سنوياً موسم صيفى وآخر شتوى والتى تنتج أجود المحاصيل الزراعية التى كان من أبرزها زراعات موسم 2021/2020 – 2022/2021 .
وشملت زراعات موسم 2021 – 2022 زراعة 40 ألف فدان من القمح و32 ألف فدان من الذرة الصفراء و12 ألف فدان من الشعير و55 ألف فدان من البطاطس و65 ألف فدان من البنجر السكر ز20 ألف فدان من السوداني و5 آلاف فدان من الفراولة و630 فدان عباد الشمس، إضافة إلى 5 الاف فدان من البطاطا و10 الاف فدان من الفصوليا البيضاء و18 ألف فدان من البصل و13 ألف فدان من الطاطم و4 آلاف فدان من البسلة و6 آلاف فدان من الجزر و4 آلاف فدان من الخيار وألف فدان من الفول الصويا.
إلى ذلك، تم زيادة الرقعة الزراعية للأشجار من 10 ألاف فدان إلى 17 ألاف فدان من البرتقال واليوسفى والليمون والجوافة والعنب والمانجو.
وبحسب مسئولى المشروع، فإن توفير المياه اللازمة للمشروع الكبير سيجرى عبر الاستفادة من خزانات المياه الجوفية، وهى خزانات "الأيوسين" و"المايوسين" و"المغرة" بامتدا المنطقة المحاذية لوادى النطرون، وحفر الآبار الجوفية على مسافات مدروسة، للحفاظ على خزانات المياه الجوفية، بالإضافة إلى القياس الدورى لملوحة المياه، وربطها بأنواع الزراعات التى تتناسب مع درجة الملوحة لضمان تحقيق التنمية المستدامة.
ولفت مسؤولون في المشروع خلال حديهثم لـ"الدستور" أنه جارى دخول مصدر مياه سطحى بمد ترعة مستقبل مصر بطول 41 كم لإمداد المشروع بطاقة 10 مليون م³/يوم لزراعة حوالى 700 ألف فدان إضافية ويعد معالجة مياه الصرف الزراعى وإعادة تدويرها وإستخدامها للرى من أكبر التحديات فى مشروع الدلتا الجديدة، مشيرين إلى أنه يتم إجراء تحاليل دورية لقياس ملوحة المياه لتحقيق الإستغلال الأمثل من المحاصيل الزراعية.
وبالتعاون مع كبرى الشركات الزراعية، تم الانتهاء من تنفيذ البنية الأساسية للمشروع بإجمالى تكلفة 8 مليار جنيه والتى تشمل تمهيد الطرق الداخلية، بإجمالى أطوال يزيد على ٥٠٠ كيلومتر، وبعرض ١٠ أمتار، مع حفر آبار المياه الجوفية اللازمة، وإنشاء محطتين للكهرباء، بقدرة ٣٥٠ ميجاوات، وتنفيذ شبكة الكهرباء الداخلية بطول ٢٠٠ كيلومتر، وتدشين مخازن لمستلزمات الإنتاج وإنشاء المبانى الإدارية والسكنية اللازمة، بالإضافة إلى توفير أحدث المعدات والتقنيات الزراعية.
ويعتبر مشروع مستقبل مصر هو قاطرة مصر الزراعية وباكورة مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الإكتفاء الذاتى وتصدير الفائض ، حيث أن المساحة المستهدف إستصلاحها مليون وخمسون ألف فدان من إجمالى مساحة الدلتا الجديدة 2.2 مليون فدان، كما يقوم مشروع مستقبل مصر بالإشراف على تنفيذ مشروع الصوب الزراعية بمنطقة "اللاهون" في محافظة الفيوم بمساحة حوالى 16 ألف فدان بإجمالى حوالى 1800 صوبة بنوعيها الأسبانى والمصرى لزارعة محاصيل الخُضر مثل "فلفل ألوان، طماطم سلكية، طماطم شيرى، فاصوليا خضراء" نباتات طبية وعطرية مثل "بردقوش، ينسون، زعتر، نعناع" وزراعات الفاكهة مثل "عنب، مانجو، رمان، موز، التين الأسبانى" زهور القطف لغرض التصدير مثل "قرنفل أمريكى، الزنبق، الورد البلدى، الجلاديوس".
ويقوم مشروع مستقبل مصر أيضاً بالإشراف على تنفيذ مشروع المنيا وبنى سويف لإستصلاح مساحة حوالى80 ألف فدان ومن المخطط لها زراعة "قصب السكر، القمح، الذرة الصفراء، فول بلدى، البرسيم الحجازى".
وطبقاً لخطة تطوير مشروع مستقبل مصر وحرصاً على التوسعات الإقتصادية التى من شأنها تحقيق النمو الإقتصادى والتنمية المستدامة تم البدء فى إنشاء منطقة صناعية على ثلاث مراحل طبقاً لأولويات التصنيع، حيث تشمل المرحلة الأولى على "ثلاجات بطاطس، محطات فرز وتعبئة، صوامع تخزين الغلال، محطات غربلة وإنتاج تقاوى، معامل تحليل التربة وأمراض النباتات"، الحالى منها "ثلاجات بطاطس بسعة 80 ألف طن، محطات فرز وتعبئة، صوامع تخزين الغلال سعة 20 ألف طن".
أما المرحلة الثانية تشتمل على "أنفاق لتجميد خضروات وفاكهة، مصنع سناكس، مصنع بصل وثوم مجفف، مصنع تعبئة وتغليف بقوليات، مصنع تعبئة وتكرير زيوت، مصنع أعلاف ماشية، مزرعة أغنام وماشية"، فيما ستشمل المرحلة الثالثة على "مصنع سكر، مصنع إنتاج زيوت، محطة فرز وتعبئة برتقال".
وبحسب مسؤولي المشروع، فإن المرحلة المستقبلية الأولى بالمياة السطحية ستكون على مساحة 300 ألف فدان مايو 2022 حتى إبريل 2023 الجارى تنفيذها حالياً بمساحة 34 ألف فدان والمخطط الإنتهاء منها أكتوبر 2022
وأوضح مسئولو المشروع لـ"الدستور" أنهم تلقوا تكليفًا من القيادة السياسية بإنشاء عدد من مصانع التغليف والتعبئة والأعلاف، للسماح بتنفيذ مشروعات الإنتاج الداجنى والحيوانى خلال الفترة المقبلة، مع تحضير الأراضى المستهدفة لاستقبال الزراعات. وأشاروا إلى أن المشروع يهدف بشكل أساسى إلى توفير السلع الزراعية بأسعار مناسبة، ليمثل باكورة إنتاج مشروع الدلتا الجديدة، كونه يمثل نحو ٦٠٪ من المساحات المستهدف زراعتها، منوهين بأنه يتسم بموقع متميز، يجعله مقصدًا للمستثمرين والمزارعين، حيث يقع على امتداد محور الضبعة، وبالقرب من مطارى سفنكس وبرج العرب، وميناءى الدخيلة والإسكندرية.
ولفتوا إلى أن العمل فى المشروع يأتى عبر نظام الشراكة بين أجهزة الدولة والمستثمرين الزراعيين الجادين، عبر محددات وضوابط تهدف لتعظيم العائد منه، والتزامات لتقليل الوقت والتكلفة فى تنفيذ المشروعات الإنتاجية.
وذكروا أن الأجهزة المعنية، بدأت، بالتعاون مع وزارة الزراعة، فى تدشين برامج تدريبية لأوائل الخريجين من كليات الزراعة والهندسة، أقسام الكهرباء والميكانيكا، لتأهيلهم ودفع عجلة الإنتاج فى المجال الزراعى، بما يتناسب مع المستهدف ضمن خطط الدولة للانتهاء من مشروع الدلتا الجديدة فى عام 2024.