البطريرك العبسي: الوجود المسيحي في الشرق الأوسط مهدد نتيجة الحروب والإرهاب
ألقى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، خلال أعمال الجمعية العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط المنعقدة في مصر، كلمة أشار فيها إلى معاناة المسيحيين في الشرق الأوسط، قائلا: "نجتمع ونحن على مشارف الاحتفال باليوبيل الذهبي للمجلس الذي رأى النور عام 1974 والذي انضمت إليه العائلة الكاثوليكية بكل كنائسها سنة 1990 بتشجيع وبركة من البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي وجد في انضمامنا إلى المجلس انطلاقة مميزة نحو وحدة الكنائس في الشرق الأوسط.
وتابع: نلتقي اليوم والوجود المسيحيّ في الشّرق الأوسط مُهدّد نتيجة الحروب والإرهاب والأزمات المتنوّعة المتراكمة (اقتصاديّة- ماليّة- بطالة- عوز). وجودنا مهدَّد بنوع خاصّ بهجرة المسيحيّين الكثيفة بحثًا عن ديار آمنة مستقرّة وعن العيش الحرّ الكريم. لا يكفي في هذا المجال أن نصف الواقع والدّافع إلى الهجرة بل علينا أن نسعى إلى حلول، فالمواطن مهما كان انتماؤه الطّائفيّ لا يترك بلده إذا ما توفّرت له سبل العيش الكريم في ظلّ أوضاع أمنيّة وسياسيّة واقتصاديّة ومجتمعيّة مستقرّة.
وأضاف: بالطّبع ليست الكنيسة مسؤولة وحدها عن إيجاد حلول لموضوع هجرة المسيحيّين وغيره. لا يسع الكنيسة أن تحلّ مكان الدّولة، إنّما يمكنها المساعدة بمدّ يد العون عن طريق المؤسّسات التّابعة لها: اجتماعيّة- تربويّة- صحّيّة- التّشجيع على التّمسّك بالأرض- تحسين استثمار الأوقاف.
وتابع: نجتمع اليوم والعالم يتغيّر بوتيرة وبمستجدّات سريعة منها الحرب المدمّرة بين روسيا وأوكرانيا الّتي سوف تترك ذيولاً سلبيّة على السّلام في العالم وعلى الأوضاع الاقتصاديّة والأمن الغذائيّ والعلاقات الدّوليّة. في حين لا يزال الشّرق الأوسط يعاني توتّرات متنقّلة، من القضيّة الفلسطينيّة الّتي لم تجد بعد حلّاً عادلاً، ومدينة القدس الّتي تشهد أعمال عنف تمارس على المؤمنين مسلمين ومسيحيّين لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدّينيّة بحرّيّة وسلام. إلى سورية الّتي لم تنته مأساتها بعد والّتي تعاني الأمرّين من العقوبات الجائرة المفروضة عليها ومن عدم رغبة بعض الدّول الكبرى النّافذة في إعادة السّلام إليها وإعادة إعمارها. إلى لبنان الّذي يمرّ بأخطر الأزمات في تاريخه المعاصر أدّت إلى بلوغ الأوضاع فيه إلى حافّة الانهيار وبات وجوده وكيانه مهدَّدَين، علّ الانتخاباتِ النّيابيّة الّتي حصلت بالأمس تشكّل انطلاقة لمسيرة تعافٍ سريعة وناجعة. بالرّغم من هذه الأزمات المصيريّة المهدّدة لوجودنا في الشّرق الأوسط لا مكان للخوف واليأس في قاموسنا نحن أبناء القيامة والرّجاء. إنّا راسخون في هذه المنطقة من العالم لا نرضى عنها بديلاً.
وواصل: عيون النّاس شاخصة إلينا نحن الّذين هنا في هذه الجمعيّة المباركة رؤساءَ كنائس ومسؤولين في منظّمات، ينتظرون منّا الوحدة والتّضامن، ينتظرون الكثير من الأعمال والقليل من الكلام. إنعقاد جمعيّتنا حدثٌ بحدّ ذاته يجمعنا والمسيح في الوسط. لا نخاف من المستقبل. في وحدتنا قوّة وتعزية وفي تشرذمنا ضياع ويأس.
مختتمًا: لقاؤنا يُشكّل علامة رجاء في هذا الزّمن الرّديء المثقل بالحروب والأزمات المتنقّلة نتيجة غياب لغة الحوار والمحبّة والتّسامح. نحن دعاة سلام لا نؤمن بلغة العنف والحروب المتنقّلة ودعاةُ محبّة وعدالة نثق بالسّيّد المسيح القائم من بين الأموات الّذي دعانا إلى عدم الخوف ونتسلّح بقوله: "أنا هنا لا تخافوا. ثقوا فقد غلبت العالم".