رسائل سامة.. متى تنتهي مشاهد الإدمان والتدخين في الدراما والسينما؟
كأننا في سباق تتنافس فيه شركات الإنتاج والممثلين على جذب أكبر عدد من المشاهدين، يسعون وراء تحقيق أعلى نسب مشاهدات وأكثر الأرباح، دون مراعاة معظمهم للمحتوى المقدم للجمهور، الذى يضطر إلى مشاهدتها، فقد اجتاحت مشاهد التدخين والإدمان بعض الأعمال السينمائية والدرامية خلال الآونة الأخيرة.
وفي السطور التالية، ترصد "الدستور" تأثير التناول السلبي لمشاهد التدخين والإدمان في الأفلام والمسلسلات، وكيفية تأثيره على المتلقين، في الوقت الذي يسعى فيه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان لإعداد برامج توعوية حول أضرار تعاطي المخدرات من خلال أساليب مبتكرة ومبدعة تتماشى مع المراحل العمرية المختلفة.
كان قد أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي تقديم الخدمات العلاجية خلال عام 2022 لـ 46 ألفا و537 مريضا جديدا بالمجان، كانوا يترددون على المراكز العلاجية التابعة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، مؤكدة أن جميع الخدمات تقدم للمرضى في سرية تامة، وقد بلغت نسبة الذكور من هذه الخدمات 95.35% بينما بلغت نسبة الإناث 4.65 %.
خبير نفسي: أبطال الأعمال الفنية هم السبب في إدمان الكثير من الحالات
أكد الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، أن المتلقي يتأثر بمشاهد الإدمان والتدخين في الأعمال الفنية، وفقًا لشخصيته، والمرحلة العمرية، واستعداده لممارسة تلك السلوكيات الخاطئة.
وأوضح أن هناك نوعين من المتلقين، أشخاص سوية ناضجة تشعر بالاشمئزاز من رؤية تلك المشاهد الضارة، وأخرون أشخاص عصابية تعاني من التوتر والاكتئاب، الذين يتأثروا بشكل كبير بمشاهد الإدمان، ويقوموا بتقليدها، خاصة أن أغلب المشاهد تظهر المتعاطي بأنه محط اهتمام الجميع، بالتالي تلك الأشخاص ترغب في لفت الانتباه، ومن ثم يفكرون في الإقبال على التعاطي.
وأضاف "فرويز" أن معظم الأعمال الفنية تركز على مشهد التعاطي والحالة المزاجية العالية، وتمنحه مساحة زمنية كبيرة في أحداث المسلسل، وتتغاضى بشكل كبير عن أعراض الانسحاب، وقد تظهر ولكن بشكل خاطف، لا يمثل أي قيمة للمتلقي.
وأشار إلى وجود حالات عديدة من المدمنين خاصة من المراهقين، كان تأثرهم بأبطال الأعمال الفنية السبب في إقبالهم على الإدمان، مؤكدًا أنه يحاول إقناعهم بأن ذلك تمثيل ولا يمثل الواقع، ويقتنعوا بحديثه في بداية العلاج، ولكن بعد ذلك يعودوا تدريجيًا للإدمان.
يذكر أن إعلان اللاعب محمد صلاح، الذي أطلقه صندوق مكافة وعلاج الإدمان ضمن حملة "أنت أقوى من المخدرات"، قد أثر بشكل كبير في رواد التواصل الاجتماعي، وبلغ وبلغ عدد مشاهدىه الإعلان على الصفحة الرسمية للصندوق بموقع "فيس بوك"، أكثر من 7 ملايين مشاهدة خلال أول أيام إطلاقه، ما سلط الضوء على أهمية الأعمال الفنية التي يمكنها مجابهة الأزمة.
"مكافحة الإدمان": نحلل مشاهد التدخين والتعاطي بالمسلسلات كميًا وكيفيًا
ومن جانبه أوضح عمرو عثمان، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي ومدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، أن المرصد الإعلامي للصندوق يتولى مسؤولية رصد كافة مشاهد التدخين وتعاطي المواد المخدرة في الأعمال الفنية، ويعمل منذ ١٠ سنوات على ذلك المنوال، ويعد نموذجا هاما، أصبحت تقتدي به معظم الدول.
وأضاف "عثمان" في حديثه لـ "الدستور" أن المرصد لا يرصد المشاهد بشكل كمي فقط، بل يقوم بتحليل مضمون تلك المشاهد، وفي حالة رصد تناول سلبي لمشاهد التدخين والمخدرات، يقوم بإعداد بيانات صحفية بشكل مستمر، وإعلان النتائج، وإرسال تقارير دورية أسبوعية إلى لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وأكد أيضًا أن هناك أعمال فنية عدة نجحت في مكافحة أزمة الإدمان، من خلال بعث رسائل حقيقة حول مدى خطورة التدخين والمخدرات، وغالبًا ما تكون هذه الأعمال بمثابة طوق نجاة للمتعاطين في تخطي المراحل الصعبة في حياتهم.
وأردف مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان: "إذا ظهر بالأعمال الفنية ترويجا لمنتجات تبغ بشكل مباشر، يتنافى مع القانون، يرسلها المرصد لجهاز حماية المستهلك، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ للنظر فيها".
وتابع: "عقد الصندوق برتوكول تعاون مع نقابة المهن التمثيلية، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ لرصد كافة مشاهد التدخين والمخدرات، وإيفائهم بالنتائج؛ من أجل مواجهة الإدمان وتقليل معدل التعاطي، وذلك أدى إلى انخفاض نسبة مشاهدة التعاطي والتدخين بالمسلسلات، حيث أصبحت نسبة التدخين لا تتعدى ٣% ، ومعدل التعاطي لا يتخطى ١%، بعد أن كانت ١٤% في عام ٢٠١٤".
أستاذ اجتماع: مشاهد التعاطي بالأعمال الفنية تسيئ لسمعة الدولة
واستنكرت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، مشاهد الإدمان وتعاطي المخدرات في الأعمال الفنية، مؤكدة أن جميع الدراسات النفسية والاجتماعية في كافة دول العالم أثبتت أن مشهد الصورة يتم تسجيله في ذاكرة الإنسان ولا يستطيع مسحها بسهولة.
وأكدت لـ "الدستور" أن زيادة تلك المشاهد بشكل ملحوظ، والمعالجات الدرامية الخاطئة لها، لا يضر فقط بالشباب والمراهقين، بل ينقل صورة سيئة عن مصر للوطن العربي وكافة دول العالم.
وأشارت إلى أن الشباب يمثلون ٦٥٪ من السكان، وكذلك تصل نسبة الأمية إلى ٢٥%، وهي نسبة كبيرة ومهددة بالضياع في ظل معالجة الدراما الخاطئة لقضية الإدمان، لافتة إلى تأثر معظم الشباب بتلك المشاهد في كافة البيئات الريفية والشعبية والحضرية.
وواصلت أنه لابد أن يشعر منتجي الأعمال الفنية والممثلين بالخزي من تقديم تلك النوعية من المشاهد التي تحمل سلوكيات ضارة، تهد كيان المجتمع، مطالبة بعودة الأعمال التي تحمل قيم سامية، مثل رأفت الهجان وضمير أبلة حكمت وغيرها.
أستاذ إعلام: ضرورة فلترة مشاهد التدخين والإدمان من الأعمال الفنية
قالت هالة السيد، المدرس المساعد بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن المتلقي يتأثر بشكل كبير بما يشاهده في المسلسلات، وذلك وفقًا لعدة نظريات إعلامية، أبرزها نظرية النموذج والمحاكاة، ونظرية الغرس الثقافي.
وأوضحت: "البطل يظهر في معظم الأعمال بأنه يدخن أو يتعاطى المخدرات، وهذا الممثل لديه بالتأكيد شعبية كبيرة، وجمهور كبير من المعجبين، لذا يقوم المتلقي بشكل فطري بتقليد هذا النموذج الذين يعتبروه قدوة له، ويمارس أي سلوكيات خاطئة يراها دون تفكير في عواقبها الوخيمة، فهو متلقي أعمى لما يشاهده في الأعمال الدرامية والسينمائية".
وأكدت "السيد" أن التركيز على مشاهد التدخين والتعاطي في الأعمال السينمائية والدرامية، يخلق صورة ذهنية لدى المتلقي بأن المجتمع كله يمارس تلك السلوكيات، وبالتالي يقبل على التدخين والتعاطي؛ كونه يرى أنه لا ضرر بها، فالجميع يفعل ذلك.
واختتمت المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حديثها لـ الدستور"، مطالبة الجهات المعنية بضرورة الرقابة على المحتوى المقدم في الأعمال الفنية، وفلترة كافة المشاهد التي يمكن أن تؤثر سلبًا على المتلقين.