هل ظلمتنا الفيفا فى مباراة السنغال؟
لعل الناس لم تلحظ أن المنظمات الدولية دائما تواجه انتقادات وشكوكا حول دورها وقدرتها على التأثير في المجتمع الدولي ومدى ضعفها حين تواجه أزمات دولية أو إقليمية وخصوصا خلال الصراعات بين الدول وبعضها، والأمم المتحدة ذاتها تقف في كثير من الأحيان موقف المحايد أو من يكتفي بتقديم التوصيات وأحيانا الصمت المطبق في مواجهة أمور عاجلة وملحة قد تؤدي لكوارث وحروب، ويبدو أمينها العام شخصية سياسية في أغلب الأحيان تحافظ على التوازن أكثر من البحث عن العدالة الصارمة العمياء.
وحين تتحرك جهة دولية معتبرة مثل مجلس الأمن فإنه في كثير من الأوقات يتمايل مع مواقف الدول العظمى باعتبار أنهم يملكون مقدراته عمليا عن طريق حق الڤيتو، لذلك يبدو العالم دائما متوازنا، ولكنه على شفا هاوية، ولا تستجيب هذه المنظمات لتطلعات الشعوب.
الفيفا منظمة دولية، لكنها في رأيي الأكثر نجاحا على مستوى العالم، والأكثر سيطرة على أعضائها من أي منظمة أخرى، وتتحرى العدالة غالبا بصرف النظر عن قوة الدولة.
ورغم ظهور الفساد داخلها في زمن ما، لكنه لم يؤثر بشكل قوي في قراراتها، وتم تصحيحه بسرعة وهناك مجموعة من الأسماء المتورطة مازالت تتلقى العقوبات حتى الآن بسبب ذلك من بينهم اللاعب الفرنسي اللامع بلاتيني.
وقد شاهدنا بأنفسنا الهيكل الإداري المركب للفيفا الذي لا يسمح بسيطرة دولة أو جهة على القرارات إلا فيما ندر مع وجود لجان فاعلة يتم اختيارها بدقة مثل لجنة التظلمات وأخيرا المحكمة الرياضية الدولية.
ولذلك فأتوقع أن الفيفا لم تظلمنا على الإطلاق حين قررت عدم إعادة مباراتنا مع السنغال، بل وفرضت غرامات علينا بسبب السلوك السيئ للاعبين، وأعتذر منكم لكن قضيتنا ماتت مسبقا بسبب سلوك الجمهور واللاعبين السيئ عموما في ملاعب كرة القدم محليا ودوليا.
من مراقبتي العامة أستطيع أن أتوقع أن مضايقة اللاعبين بالليزر اختراع مصري أصيل وربما نحن من نشرناه في الملاعب العربية والإفريقية، وقد شاهدناه وهو موجه للاعبي السنغال في مباراة الذهاب وأصبح خطأ وعيبا فقط حين تم توجيهه للاعبينا، ولم نسمع أو نرى أي محلل رياضي يشير إلى هذه الواقعة
كما أن بعض من الجمهور المصري أطلق صافرات الاستهجان أثناء عزف السلام الوطني السنغالي وهو ما قام الجمهور السنغالي بالرد عليه بكثافة أكبر لكننا من بدأنا.
وخروج طاقم التدريب واللاعبين الاحتياط من منطقتهم القانونية للاحتفال بهدف أو لافتعال شجار مع حكم أو لمجرد الحماس هو أيضا - فيما أعتقد- اختراع مصري ويحدث في المباريات المحلية باستمرار دون أي اعتبارات قانونية، كما أننا لا نتورع عن فعله في المباريات الإفريقية بكل جرأة.
العصبية ضد الحكام وعدم احترام قراراتهم شيء معتاد ويحدث في الدوري بشكل عادي بدءا من التلويح باليد وربما السب الذي لا نسمعه وغيرها من الاحتكاكات، لدرجة أن هيبة الحكام تظل دائما مسألة نسبية، ونشاهد محللي الرياضة وهم يضعونها دائما على المحك باعتبارها موضوعا عاديا، ونفس الشيء من مواجهة الحكام على أرض الملعب نفعله في المباريات الإفريقية، بل إن البعض ينظر للحكام الأفارقة بتعال غريب ويفترض مسبقا أنهم سوف يظلمونا.
مباريات الأهلي والزمالك أصبحت مثل عادات الثأر القديمة في الصعيد، وتمتلئ بالتجاوزات والعصبية والانفعالات والشحن الجماهيري المبالغ فيه وطبعا كل شيء يمر في النهاية بلا وقفة للتصحيح.
أنصح بالتروي في ردود الأفعال ومراجعة كل الوقائع في موضوع مباراة السنغال لنعرف أين أخطأنا بالتحديد، لنعرف أين أخطأنا نحن وليس فريق السنغال، ونجيب عن أسئلة مثل ما هي التجاوزات التي حدثت من طرفنا؟ ما هي حدود التزام الطاقم الفني والتدريبي المصري بالقانون؟ هل قام الجمهور المصري بأفعال مسيئة للفريق المنافس؟….إلخ.
ثم نجيب عن أسئلة أكثر عمقا، مثل كيف يقدم اللاعب المصري نفسه كنموذج للالتزام القانوني والإداري مما يسهم في تحسين سمعة الشخصية المصرية عموما؟ كيف نسيطر على انفعالات الجمهور في المباريات المحلية والدولية، وهل نستخدم الأدوات الرقابية مثل الكاميرات لمراقبة كل ما يحدث في المدرجات؟ هل هناك من طرق لفرض عقوبات على الجماهير التي تتجاوز في الملاعب؟ كيف نعلم أنفسنا كجمهور ولاعبين احترام الحكم مهما كانت قراراته سواء عادلة أو ظالمة وسواء في مصلحتنا أو في مصلحة المنافس؟
وإذا أجبنا عن هذه الأسئلة بصراحة، حينها يمكن أن ينصلح حال كرة القدم في مصر، أما موضوع مباراة السنغال فقطعا قد يكون لنا الحق في إعادة المباراة، لكن كرة القدم المصرية لا تقدم نفسها بالشكل الإيجابي الذي يعطي الدفعة المناسبة لمن يُقيم هذه المسألة.