على هامش الحوار الوطنى
أسعدنى وأثلج صدرى أن ألبى دعوة رئاسة الجمهورية لإفطار الأسرة المصرية، وهو اسم على مسمى إذ يضم فى كل عام أطيافًا مختلفة من أبناء الشعب المصرى فى تقليد يقول إن «الاتحادية» ليس مكانًا مغلقًا للنخبة ولعلية القوم، ولكن الرئيس واحد من الناس ويعمل من أجل الناس، والإفطار جزء من استراتيجية يتبعها الرئيس السيسى تقول إنه لا أسرار ولا حواجز ولا غموض إلا ما تقتضيه ضرورات الأمن والعمل الوطنى.. سعدت أن أرى زملاء أعزاء وسياسيين أحترم بعضهم وأعرف بعضهم منذ ربع القرن أو يزيد، واعتبرت هذا مؤشر خير كبيرًا ودليل نضج لتيارات وأشخاص أحترم بعضهم بقدر ما أعرف عن نزاهتهم وتجردهم، وأتحفظ على بعضهم بقدر ما تظهر مؤشرات تشير لعكس ذلك.. لكن أكثر مَن شعرت بالفخر لوجودى معهم تحت سقف واحد كان «مينا» سائق التاكسى المعطاء، و«سارة» فتاة الدليفرى الأمينة، اللذان رشحتهما مبادرة حياة كريمة للمشاركة فى البرنامج.. هؤلاء هم ملح الأرض وأنظف ما فينا.. ببركتهم نعيش.. علينا تجاههم وتجاه الملايين من أمثالهم واجب.. يقتضى الشرف أن ننجز من أجلهم على الأرض، وتقتضى الأمانة أن نحذر ممن يتاجر بحقوقهم ليثرى على المستوى الشخصى أو يحقق مكسبًا هنا أو هناك.. كانت حزمة القرارات التى أعلنها الرئيس السيسى رائعة.. ولكن وسائل التواصل كعادتها.. انشغلت بما هو سطحى عما هو عميق، وبما هو رخيص عما هو ثمين، وبما هو سياسى ذو طعم «حراق» عما هو «اقتصادى» ذو نزعة إصلاحية، وأثر عميق على حياتنا جميعًا وعلى أمن مصر واستقرارها.. إنها عادتنا ولن نشتريها.. أغرانا الشيطان بالجدل وكثرة الكلام وقلة العمل فتأخرنا وتقدم غيرنا، وتعثرنا وانطلق غيرنا، وقادتنا عواطفنا إلى الوراء وقادت الآخرين عقولهم إلى الأمام.. على وسائل التواصل لمست صدمة من حضور بعض قيادات «التيار المدنى» لحفل الإفطار وسط قرارات بتفعيل لجنة العفو وإطلاق حوار سياسى.. والطبيعى أن الصدمة كانت من فريقين كلاهما مضاد للآخر فى التوجهات.. فالإخوان أو «قواعدهم» بمعنى أدق.. انخرطوا فى المزايدة على من لبوا الدعوة للإفطار وللحوار باعتبارهم خصمًا من رصيد المعارضة «حتى لو كان الإخوان يخونون بعضهم» وقد شاركهم فى هذا بعض حلفائهم من فصائل اليسار الفوضوى.. وأنصار الدولة الوطنية.. وهم تيار واسع ومتباين.. أحسوا بالصدمة والقلق وراحوا يستعيدون منشورات لهذا القيادى أو ذاك ويذكّرون بمواقفهم المعارضة هنا وهناك.. والحقيقة أن كلا الفريقين غير محق فى اعتراضه أو قلقه.. فقواعد الإخوان وأتباعهم وذيولهم عليهم أن يسألوا أنفسهم إلى أين قاد التآمر والإرهاب الجماعة وقواعدها منذ ٢٠١٣ حتى الآن؟.. بل ربما نقول منذ تأسيسها ١٩٢٨ حتى الآن؟ لا شىء سوى الهزيمة.. والخراب والضياع على يد مكتب إرشاد محدود الكفاءة وقطبى العقيدة وعقيم الخيال.. وعليهم- حتى لا يصدموا مرة أخرى- أن يستعيدوا المقطع المسرب لنائب المرشد محمود عزت فى التحقيقات معه وهو يقول إن أقصى ما يتمناه هو عودة الجماعة للوضع قبل ٢٠١١، والوضع قبل ٢٠١١ كان كما يلى: لا عضو واحدًا للجماعة فى مجلس الشعب وكل المتهمين بتدبير أحداث العنف فى جامعة الأزهر محبوسون وعلى رأسهم خيرت الشاطر عراب الخراب فى الجماعة.. والمعنى أن الجماعة تتمنى رضا الشعب وصفحه وغفرانه ولو قبلت الأقدام والأيادى.. أما الذين أحسوا بالصدمة على الجانب الآخر من أنصار الدولة الوطنية فتتفاوت دوافعهم بين الألم الشخصى أو عدم الفهم.. يقول «كلاوزفيتز» أعظم منظرى فن الحرب فى العالم إن الحرب هى الوسيلة التى تستخدمها كى تدفع خصومك إلى طاولة المفاوضات.. الحرب ليست هدفًا فى حد ذاته، ولكنها وسيلة تستخدمها الدول، والأنظمة، والتيارات.. إلخ لتحقق أهدافها، وتوقف غلواء خصومها، وتجبرهم على التفاوض.. وفى خلفية التفاوض هناك حقيقة تقول إنهم هزموا.. وإنهم لم يحققوا شيئًا على أرض الواقع وبالتالى ينخرط الجميع فى التفاوض للوصول لصيغة تتحقق بها مصلحة الجميع.. والجميع فى حالتنا هذه هو مجموع المصريين.. قدر مصر أن يقود الجيش المصرى دفة الأمور وأن يكون القوة الوحيدة القادرة على القيادة والرئاسة وهو ينخرط فى خطة عملاقة لإعادة بناء مصر وتطوير التعليم والصحة والسكن والرفق بملايين البسطاء، ولا يمنع هذا أبدًا أن يشارك جميع الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مخطط التنمية الطموح والعملاق ما دام ذلك على أرضية الوضوح والمصارحة وعدم الولاء لأى جهة غير الشعب المصرى.. أما ما الذى نحتاجه من الحوار السياسى.. وهل الحوار مطلوب فى حد ذاته ولذاته؟.. فهذا ما نتحدث عنه فى مقالات مقبلة بإذن الله.