«روشتة» إنهاء أزمات مسرح الطفل: رفع الميزانية.. إدخال التكنولوجيا.. ومسايرة الحداثة
يحتل مسرح الطفل مكانة كبيرة فى العالم كله، لأنه يشارك بقوة فى بناء وعى النشء، وفى مصر يواجه هذا النوع من المسرح مشكلات كبيرة تسببت فى إبعاد الطفل المصرى عن تراثه، وإفساح المجال لثقافات أخرى لتحتل أدمغة الصغار. «الدستور» ترصد مشكلات مسرح الطفل فى مصر، وتبحث سبل تطويره مع متخصصين فى هذا المجال رأوا أن طفل اليوم أصبح مختلفًا تمامًا عن طفل الأمس، فالجيل ابن التكنولوجيا لا يهتم بالقصص القديمة البدائية، مثل «الثعلب المكار»، وأكدوا ضرورة إنقاذ هذا الفن من الاندثار للحفاظ على عقول أطفالنا من الاختطاف. يقول الكاتب محمود عقاب إن السبب الرئيسى لتدهور أحوال مسرح الطفل فى مصر هو عدم وجود نصوص حديثة تصلح لأن تقدم للأطفال، موضحًا: «الكتابة للطفل صعبة، لا شك، فهى تتطلب أن يفكر الكاتب بعقل الطفل ليدرك احتياجاته، ولا بد من أن يتمتع المؤلف بمهارة عالية ليستخلص من خبراته ما يمكن تعليمه للأطفال بسهولة».
وأضاف «عقاب»: «يختلف شكل الكتابة للطفل باختلاف المرحلة العمرية المستهدفة بالكتابة، فما يصلح لسن معينة قد لا يصلح لسن أخرى»، مؤكدًا: «لا بد من أن تكون الكتابة للطفل بسيطة، دون تسطيح أو تقعير، ومن الضرورى أن تكون تلقائية وصادقة، وأرى أن الكتابة للأطفال من أصعب أشكال الكتابة، لأنها تعتمد على إدراك طريقة تفكير الأطفال ومتطلباتهم والتمكن من صناعة خيال مناسب لعقل طفل.. هذه الشروط يستطيع الكاتب الموهوب تطبيقها ببساطة، إن كان موهوبًا ويتمتع بخيال خصب».
وتابع: «المسرح هو الفن الأنسب لتعليم الطفل، لأنه يتفاعل معه بشكل فورى، وهذا يتيح للمسرحى أن يدرب حسه الطفولى ويخرج الصغير المختبئ داخله.. فالأمر لا يتوقف على الكتابة فقط، بل من الضرورى أن يكون هناك احتكاك بين المنتج والمتلقى لتطوير مسرح الطفل».
من جهتها، قالت الكاتبة المسرحية صفاء البيلى إن مسرح الطفل يعانى من مشكلات كثيرة، ليس فى مصر فقط بل فى دول أخرى، بسبب عدم إدراك أغلب الكُتّاب مشكلات الأطفال وطريقة تفكيرهم والقضايا التى يمكن تناولها فى مسرح الطفل.
وأضافت «صفاء» أن الأفكار التى يتناولها أغلب كُتّاب المسرح حاليًا لا ترقى لمستوى تفكير الأطفال، فطفل اليوم ليس هو طفل الأمس، لذا لم تعد الأفكار التقليدية الباهتة هى ما يعبر عنه، موضحة: «هو ابن التكنولوجيا والخيال العلمى وعلوم الفضاء، ومن الطبيعى ألا يتفاعل مع شخصيات قديمة مثل (الثعلب المكار والأسد المغوار).. أى أنه يبحث عن أفكار جديدة تناسب التحديات التى يواجهها فى عصر التكنولوجيا».
وتابعت: «كما تعانى الكتابة للطفل- فى المسرح خاصة- من عدم التركيز على الفئة العمرية، لأن ما يصلح لفئة عمرية قد لا يصلح لفئة أخرى، وعلى الكُتّاب أن يعودوا إلى التراث المصرى ويعملوا على تطويره بما يناسب روح العصر الحديث».
وعن أبرز الصعوبات التى تواجه مسرح الطفل، قال الفنان محمود حسن، مدير المسرح القومى للطفل، إن ضعف الميزانيات المخصصة لإنتاج مسرحيات للأطفال سبب رئيسى فى تدهور هذا النوع من المسرح، مؤكدًا: «لا بد من توفير أموال تسمح بتطوير عروض مسرح الطفل.. ويمكن أن أقول إن ميزانية إنتاج حلقة واحدة من مسلسلات الأطفال يمكن أن تصنع مسرحية مبهرة، تستخدم فيها تكنولوجيا حديثة».
وأضاف «حسن» أن هناك مشكلة أخرى تواجه مسرح الطفل، وهى أن لجان القراءة تقرأ النصوص من وجهة نظرها، لا من وجهة نظر الطفل.
وقال المخرج وصانع العرائس محمود فوزى إن اتجاه بعض المخرجين الآن إلى إخراج مسرحيات للأطفال تقدم قصص «ديزنى» هو نوع من الكسل، فهم لا يريدون البحث عن نصوص جديدة ومناسبة للأطفال، رغم وجود أعمال مهمة يمكن تحويلها لنصوص صالحة لمسرح الطفل.
وأوضح «فوزى»: «الاتجاه لقصص ديزنى هو محاولة لاستغلال النجاح التجارى لهذه القصص، وهذه مكاسب لا تدوم طويلًا، لأنها تبعد الطفل عن تراثه»، وتابع: «سأضرب مثالًا بمسرح العرائس، الذى لا يعرف أغلب الناس منه سوى مسرحية (الليلة الكبيرة)، وهذه مشكلة كبيرة، فذاكرة الأطفال الآن لا تحمل قصصنا بل قصصًا من ثقافات أخرى».
وأضاف: «لا بد من صناعة خطة محكمة لإنتاج مسرحيات للأطفال طوال العام، فعلى سبيل المثال فى بوخارست، عاصمة رومانيا، تقدم ٥ عروض يوميًا للأطفال، كل عرض موجه لفئة عمرية معينة، وفى المدارس يجرى التركيز على خيال الظل والماريونت وعرائس القفاز». وقال: «ليس من المقبول أن ينتج مسرح العرائس عرضًا واحدًا سنويًا، بعد أن كنا رواد هذا الفن فى الوطن العربى، وأظن أن هناك ضرورة لإعادة إحياء هذا الفن، الذى لا يكتفى بإمتاع الطفل بل يعلمه أيضًا تقاليد وأخلاقًا، لذا لا بد من وجود مسرح عرائس فى كل محافظة».
أما الكاتبة ناهد السيد فقالت إن مسرح الطفل مظلوم لأن عدد الكُتّاب المتخصصين فى هذا النوع من الكتابة قليل جدًا، وعادة يتجهون لتقديم الفكرة كقصة قصيرة فى كتاب مطبوع، ويرون أن هذا الأمر سيحقق لهم مكاسب أكبر من كتابة الفكرة كمسرحية للأطفال، رغم أن مسرح الطفل منصة كبيرة للتوعية، يمكن من خلالها توعية الأجيال الجديدة وتربيتها وحل مشكلاتها النفسية، مثل الانطواء والخجل.
وأضافت «ناهد»: «أطالب بتنظيم رحلات مدرسية شهرية لمسرح الطفل، على أن يجرى تقسيم الأطفال إلى مراحل عمرية مختلفة، مع ضرورة توعية الأهالى والمدرسين بأهمية المسرح». وأشارت إلى ضرورة أن يشارك الطفل فى تقديم مسرحه، وأن تركز المسرحيات على القيم والأخلاق التى يجب تعليمها للأطفال، مؤكدة: «أتحفظ على إعادة تدوير الأعمال القديمة، مثل (السندباد وعلاء الدين) فهناك ضرورة أن تُقدم أعمال تخص الواقع ومشكلاته».