نقاد يضعون خطة لعلاج أزمات «المسرح المستقل»: توظيف التكنولوجيا.. وتوفير التمويل
نقاشات وتوصيات مثمرة أسفرت عنها فعاليات النسخة الثانية من مؤتمر المسرح المستقل والمهمّش فى مصر، الذى أقامه قسم المسرح بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فى ٢٥ مارس الماضى، وكان من أهم أهدافه النهوض بحركة المسرح المستقل ومواجهة التحديات والعراقيل التى تعوق تطوره.
حضر المؤتمر مُؤسِّسته الدكتورة دينا أمين، مديرة قسم المسرح بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، والمخرج حسن الجريتلى، والدكتور محمود أبودومة، والمخرج والكاتب أحمد العطار، والكاتبة والدراماتورج رشا عبدالمنعم، والمخرج محمد جبر، والمخرج مصطفى خليل، والناقد المسرحى جرجس شكرى، وطارق عطية، مدير مركز التحرير الثقافى بالجامعة الأمريكية.
وقالت الدكتورة دينا أمين، إن اختيار موضوع المسرح المستقل جاء انطلاقًا من حيوية هذا النوع من المسرح، وفى إطار الرغبة فى تمكين فنانينه ومحاولة مساعدتهم فى إيجاد مخارج للتحديات التى يواجهونها، متسائلة: «لماذا هُمش المسرح المستقل، وهل وجوده فى الهامش هو ضمان فنى ليعمل خارج الأطر التقليدية؟».
وقال المخرج حسن الجريتلى، المتحدث الرئيسى فى المؤتمر، إن علاقته بالمسرح بدأت فى أثناء الدراسة حين رفض أحد الطلبة تقبيل يد زميلته فى المسرحية، مضيفًا: «قبلت أنا أن أؤدى الدور وأقبل يدها»، متابعًا أن أهم مقومات العمل المسرحى هو الشغف.
وعن بداياته فى المسرح أيضًا، قال المخرج والمؤلف محمود أبودومة، إنه أسس فرقته عام ١٩٨٧ وبدأ مشواره فى تقديم العديد من العروض المسرحية فى معهد جوتة ومركز الجيزويت الثقافى، ومر بمحطات عديدة انتهت بتأسيس أول مركز ثقافى تجارى تحت مسمى «تياترو الإسكندرية» بمحطة الرمل.
أما رشا عبدالمنعم، فقالت إن بداية علاقتها بالمسرح المستقل بدأت منذ عام ٢٠٠٠ بتوجيه من الدكتور محمد عنانى الذى كان أستاذها فى دبلومة المسرح حينها، ومن سيدة النقد المسرحى الراحلة الدكتورة نهاد صليحة، مضيفة: «عملت مع العديد من الفرق المستقلة، وعملت مع مخرجين فى مسرح الدولة».
فيما تحدث الناقد جرجس شكرى عن بداية المسرح الحر، قائلًا إن المسرح المصرى فى مطلع التسعينيات كان مهيأ لظهور تيار مسرحى جديد، وكانت هناك تغيرات مماثلة حدثت للعديد من الفنون للشعر والأدب والسينما؛ نتيجة التحولات السياسية والاجتماعية، مضيفًا: «كتبت عشرات المقالات عن هذه الظاهرة واشتبكت مع الموضوع فى ٣ مراحل، مرحلة التسعينيات، وكانت لها مواصفات ومشكلات، ومرحلة العقد الأول من الألفية الثالثة، والعشر سنوات الأخيرة».
وحكى المخرج محمد جبر عن بداية تجربته فى المسرح الحر، قائلًا: كنت حريصًا على تقديم تجربتى فى مسرح مختلف وبأفكار وأطروحات ورؤى مختلفة يتفاعل معها جمهور كبير، وبدأت بعرض «١٩٨٠ وأنت طالع» وتوليت إخراجه وإنتاجه، واستمر العرض ٤ سنوات بعد اجتهاد كبير وكفاح ودعاية، وحقق نجاحًا كبيرًا وكُتب عنه فى الصحف.
وقال المخرج مصطفى خليل، إنه درس المسرح بالجامعة الأمريكية مع الدكتور محمود اللوزى، وكان هدفه تقديم إبداعات وعروض مسرحية متنوعة الرؤى ارتكز فيها إلى تذويب الفرق بين المسرح المستقل والمسرح التجارى من حيث القدرة على جذب الجمهور.
وقال المخرج والكاتب أحمد العطار إنه يفضل مسمى المسرح البديل عن المسرح المستقل، مضيفًا: «ليست هناك استقلالية مطلقة، لذلك مصطلح المسرح البديل هو الأفضل»، مواصلًا أن أى إصلاح سينبنى بالضرورة على إعادة صياغة المنظومة المسرحية فى مصر التى نعمل عليها منذ أكثر من ٥٠ عامًا، خاصة أننا نعمل على نظام أن مسارح الدولة لديها موظفون هم الممثلون والمؤلفون، وهذا النموذج لم يعد موجودًا سوى فى مصر».
وأجرى الدكتور طارق عطية، مدير مركز التحرير الثقافى بالجامعة الأمريكية، مداخلة، قال فيها: «العالم تغير من حولنا بشكل كبير، والمرحلة المقبلة ستعيد ترتيب الأوراق وفقًا لفكر الأجيال الجديدة، وعلينا أن ندرك حجم التقدم التكنولوجى الحادث وكيف سنواجهه ونوظفه».
وذكر أن التحديات التى عشناها خلال الثلاثين عامًا الماضية كان أبرزها ارتفاع أسعار تأجير المسارح، مضيفًا: «مركز التحرير يعمل على توفير هذه المساحات بشكل كبير للفرق غير القادرة، ولكن فى إطار الاستدامة هناك ضرورة للبحث عن حلول أخرى، فعلينا أن نناقش إمكانية الاستفادة تجاريًا من المسرح الحر».
واعتبر المخرج محمد جبر أن ارتفاع أسعار تأجير المسارح هو المشكلة الأبرز التى تواجه فرقته، مشيرًَا إلى أن مسارح قصور الثقافة تكون مغلقة معظم أيام السنة، مضيفًا: «يمكننا أن نبرم اتفاقًا حول هذا الشأن، بما يضمن مساحات للعرض والتجوال خارج وداخل القاهرة».
وتحدثت رشا عبدالمنعم عن التحديات، قائلة: «أبرزها إشكاليات التعريف، حيث لا يوجد تعريف واحد للمسرح المستقل»، مكملة: «نواجه إشكالية أخرى وهى الدعم، فقطاع كبير من الفرق المستقلة لا تتوافر له جهات دعم، وليس لدينا رجال أعمال أو شركات ذات مسئولية اجتماعية معنية بالفنون خاصة المسرح»، مواصلة: «الإشكالية الثالثة هى مستويات الرقابة المحكمة والمتداخلة، التى أضرت بالحركة المسرحية كثيرًا»، مطالبة بإنشاء موقع لتوثيق حركة المسرح المستقل بكل المعلومات التى تخصه، وأيضًا توفير الكتب والدراسات المعنية به.
وقال المخرج محمود أبودومة، إن التمويل إحدى إشكاليات المسرح، مضيفًا: «للتمويل صيغ كثيرة جدًا فليس شرطًا أن يكون التمويل حكوميًا فقط وليس من الضرورى أن يكون أجنبيًا فقط، فأنا لىّ تجربة مختلفة شاركت بفيلم كان من ضمن شروطه هو أن نحصل على مستحقاتنا عندما يُباع الفيلم، ووافقنا ونجح الفيلم وأخذنا مستحقاتنا المالية، ومن هنا نجد أن التمويل له صيغ متعددة لحل مشكلته».
وتحدث المخرج مصطفى خليل عن التحديات، قائلًا: «المشكلة الحقيقية هى قلة تواجد الجمهور المهتم بالمسرح، وذلك نتاج للتطور التكنولوجى ووجود المنصات الإلكترونية التى تجذب الجمهور للجلوس بالمنزل وعدم النزول لمشاهدة العروض».
وطالب بابتكار أساليب جذب جديدة تخاطب الجمهور بفكر حديث ومختلف، حيث يجب أن يعتاد الجمهور دفع سعر تذكرة مناسب لمشاهدة العروض المسرحية لتغطية تكلفة العرض وتحقيق الربح المناسب.
واتفق الفنان حسن الجريتلى مع الفنانين المستقلين فى اقتراحات مواجهة إشكاليات المسرح المستقل، معتبرًا أن أغلبها فعالة، مضيفًا أنه: رغم تنوع المشكلات التى تحدثنا عنها، ما زالت حرية الإبداع أهم المشكلات، فالتدخل فى إبداع الفنان يقيده فى كل شىء.
وذكر المخرج أحمد العطار أنه: رغم المشهد المسرحى السوداوى الآن، ما زال الأمل فى الأجيال الجديدة وفى كل جديد يُقدم، وأرى أن الإبداع ينتج عن الاحتياج الشديد والعوائق الشديدة التى نواجهها كمسرحيين مستقلين، ولكننا نحتاج لأن نتفاءل ونؤمن بأننا إذا وجدنا الطريق وأصررنا عليه فلا بد أن نصل.
ورأى الناقد جرجس شكرى أن مشكلات المسرح لم تتغير سواء قديمًا أو حديثًا، ولكن تتغير صورتها وأسلوب التعبير عنها، وبرغم كل هذه الإشكاليات يستمر المسرح، وأظن أن الأمر يجب أن ينحصر فى كيف نصنع مسرحًا للجمهور، ونصنع تجربة ناجحة مثل «١٩٨٠ وأنت طالع»، ونقدم عروضًا ذات تكلفة بسيطة ولها هدف ومضمون.