أسوان.. والنوبة
النوبيون مزارعون، والعرب رعاة، والزراعة تجعل الناس أكثر استقراراً وأكثر تقبلاً لفكرة الملكية والعدل والنظام.
أهل أسوان فى العادة هادئون ومسالمون، ولا يتوقع غدرهم أو خيانتهم بأى حال من الأحوال، وفى الإجمال نأمن جانبهم، وربما كانت تلك الصفات التى اشتهرت بها أسوان هى صفات النوبيين، فى العادة لطيفو المعشر يعيشون فى حالة سلم مع جيرانهم دائماً، وجيرانهم هم العربان، أو القبائل العربية، وقديماً عندما كان العربان يشنون غاراتهم على النوبيين، طبعاً بقصد السرقة والاستيلاء على الماشية والنساء، فإن النوبيين يلجأون إلى الصخور التى تنتشر فى مجرى نهر النيل، وهناك يتخذون وضع الدفاع، ومما لاشك فيه أن العربان لا يجيدون القيام بغارات فى أرض غير مواتية لخيولهم، وتشكل فى نفس الوقت ملجأ أمان، أو معاقل حصينة لسكانها، ويندم العربان كثيراً لو حاولوا الدخول فى تلك المنطقة.
يذكر كتاب وصف مصر، الذى أعده علماء الحملة الفرنسية عن بلاد النوبة. والتى سجلها العالم كوستاز، عن النوبة والنوبيين، أن النوبيين ينزلون كل عام إلى القاهرة هاربين من فقر مسقط رأسهم، كى يبحثوا عن عمل، وما إن يحصلوا على وسيلة للعيش الميسور بعض الشىء حتى يعودوا إلى بلادهم ليتخذوا لأنفسهم زوجات، من بنات جنسهم.
ويظلون على الدوام يحتفظون برغبة متأججة فى العودة لقضاء آخر أيامهم وسط ضخورهم، وعدد النوبيين فى القاهرة «1798» كبير، ويشيرإليهم التجار الأوربيون بـ «بربران»، ويتمتع هؤلاء بشهرة كبيرة فى الاستقامة والأمانة، ويوحى إخلاصهم الذى لم يكذب مطلقا بالثقة المنشودة.
ترى من أين جاءت لهذه الأمة، بكل هذا السمو الأخلاقى الذى يميزهم، بدرجة كبيرة عن جيرانهم من العربان؟
لاشك أن السبب فى ذلك هو نوع الحياة التى يحياها كل من الفريقين.
النوبيون مزارعون، والعرب رعاة، والزراعة تجعل الناس أكثر استقراراً وأكثر تقبلاً لفكرة الملكية والعدل والنظام.
كما تؤمن الحياة الرعوية، وسهولة التنقل، فكرة الهروب، وعدم الوقوع تحت طائلة العقاب، وهى الحياة التى يمتدحها الشعراء، ويترحم عليها عليها كثير من أولئك الذين لم يتمتعوا بسمو الطبيعة البشرية.
النوبيون مسلمون شديدو الحماسة لدينهم، وهم لا يحبون الأجانب ويكرهونهم، ومن العسير على الدوام أن يروهم فى بلادهم.
النوبيون الخلص والأقحاح، لونهم وسط بين الأسود الأبنوسى والأسمر البرونزى، وملامحهم وتقسيماتهم تميل إلى ملامح الأوروبيين، وتعطى سمرتهم المختلطة بالحمرة مظهراًً من مظاهر الحيوية والجمال، وتقاطيعهم المعبرة تنبئ عن طيبة شديدة.
يعانى النوبيون من الغيرة المتأججة، فيحكى أحد قواد الحملة الفرنسية التى ذهبت إلى هناك أنهم عثروا على فتاه تركها أهلها، وللمحافظة على عذرية الفتاة، قام أهلها بخياطة تامة لعضو إخصابها، وهو احتياط بالغ القسوة.
وتتجلى عاطفة الغيرة عندهم فى الطريقة التى يخفى بها النوبيون نساءهم، عن نظرات الأغراب.
■ خبير أمنى