صاحب تحديث الصحافة المصرية.. بماذا وصف خيري شلبي الكاتب محمد التابعي؟
أطلق عليه العديد من الألقاب ولعل أحبها إلى قلبه «أمير الصحافة» من مواليد 1896، بدأت رحلته مع الكتابة في النقد المسرحي، أحدث طفرة كبيرة في الصحافة المصرية، فقد أدخل جمل وعبارات تناسب حال المجتمع الكادح آنذاك، كان حديث المدينة بل والعالم منذ أن توجه إلى الصحافة الصحفية السياسية.
إنه الكتاب الراحل محمد التابعي، الذي أسس مجلة آخر ساعة الشهيرة عام 1934، ويعد الصحفي المصري الوحيد الذي رافق العائلة الملكية في رحلتها الطويلة لأوروبا عام 1937، ومن أشهر مقولاته «رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك».
وبعد رحيله، جسد دوره في العديد من الأعمال الفنية منها أسمهان وأم كلثوم وزينب والعرش التي تحدثت عنه وعن دوره في نهضة الصحافة المصرية.
فعند رحيله تهافت الأقلام على الكتابة عن حياته ورحلته والدور الكبير الذي أحدثه في الوسط الصحفي كنوع من رد الجميل لهذا الكاتب العظيم، ومن بين هؤلاء الكتاب الراحل خيري شلبي الذي كتب مقالًا يحكى فيه عن تجربة التابعي في الصحافة والنقلة النوعية التي أحدثها، وأعاد نشر المقال مرة أخرى الكاتب طاهر عبد الرحمن، من أرشيفه الصحفي.
وقال خيري: «الحق أنه صاحب أهم وأخطر مدرسة في تحديث الصحافة المصرية المعاصرة، فقد نقل الصحافة نقلة هائلة على جميع المستويات ابتداء من لهجة الخطاب وصولًا إلى جعل الصحافة تمثيلًا حقيقًيًا للرأي العام، تغوص في اهتمامات الناس بوجه عام، من القضايا السياسية إلى بناء العقلية العامة وتهذيب الذوق العام والارتفاع بمستوى المجتمع».
وتطرق المقال في بداتيه إلى حال الصحافة في عهد الأتراك الذين حولوا الصحف والجرائد إلى مصطلحات بالعثمانية حتى أصبحت مفهومها صعبًا، ومع تطور الكتابة وظهور شخصيات أضافوا للصحافة شيئًا حتى بدأت ترجع اللغة العربية إلى الجرائد والمجلات مرة أخرى، حتى وصل إلى دور محمد التابعي في نهضة الصحافة المصرية وإدخاله أساليب جديدة.
ومن أبرز الإسهامات التي قدمها التابعي في الصحافة على حد قول شلبي خيري في مقاله: «حدد التابعي مفهومًا للمانشيت الصحفي بأنه الصدى القوى لأهم ما يشغل الناس في حينه انعكاس لهم كبير سياسي أو اجتماعي أو فني أو اقتصادي أو ديني، ما أن يراه القارئ حتى تتحرك في نفسه جميع التوقعات بهذا الهم ومن ثم تثور في نفسه دوافع الرغبة بالمعرفة واستطلاع الحقيقة حتى يبني موقفه الشخصي من هذا الأمر أو ذاك».
فمدرسة محمد التابعي ليست المانشيت فقط، إنما هي العملية الصحفية نفسها بكامل عناصرها، وأهمها أسلوب التحرير وأسلوب التحرير يشمل عناصر كثيرة تتحدد بها شخصية الصحيفة ودورها ومنهجها وأهم عناصر الأسلوب هو الخطاب العام، كيف تخاطب القاعدة العريضة من الجماهير
واخترع التابعي أسلوبًا جديدًا في الكتابة العربية لم يكن معروفًا من قبله: «الجملة الموجزة، المفيدة، الرشيقة، الجذابة، ذات بلاغة حديثة لا تتفق فحسب مع مقتضى الحال بقاعدة لكل مقام مقال بل وينبع جمالها من قدرتها على التجريد والتشخيص في آن معا».
فكان يختار مفرداته بأناقة وشياكة فكأنها خاصة به وحده، كأنها من اختراعه، أنه يمسك بالمفردة العربية الأصيلة فينزع عنها لباسها الصحراوي وينصت جيدًا إلى إيقاعها وما تحويه من موسيقى داخلية، وكأن العبارات تشربت عرق الكادحين.
فبلا جدال محمد التابعي هو الأب الشرعي للصحافة المصرية الحديثة، فن الصحافة فن مخاطبة الجماهير العريضة فن التبويب والتوضيب والتنسيق فن المانشيت فن الإدارة والتعامل مع جميع الاهتمامات الشعبية بجميع مستوياتها بحيث يجد كل قارئ للصحيفة شيئًا يمثله أو يخصه.
كان غرامه الأكبر الصحافة فقد عشقها، منذ وقت مبكر جدًا، وعشقه للصحافة نبع من عشقه للأدب والفن.
رحلة التابعي في الكتابة المسرحية
والغريب أن التابعي قبل أن يصبح الكاتب السياسي الأول في الصحافة المصرية في عصره، كان ذا باع طويل واستعداد عظيم لكتابة النقد المسرحي والفني بوجه عام، ومن يقرأ مقالاته في النقد المسرحي التي كان ينشرها في روزاليوسف إنان صدورها بإمضاء «حندس» يتوقع أن هذا الناقد سيكون أهم ناقد في عصره لكنه سرعان ما هجر كتابة النقد الفني وتخصص في الكتابة السياسية.
خيري شلبي يصف محمد التابعي
وقال شلبي إن التابعي كان من الطبقة المتوسطة الزراعية ميسورة الحال، اتقن اللغة الانجليزية وكان جمي الشكل والذكاء والتفتح، بارع القامة رشيق القوام ساحر العينين رقيق الحاشية مغرمًا بالأناقة في كل شيء الملبس والأشياء الأخرى والحديث، كان يرتدي أفخم الماركات، ويقيم في أرقى الفنادق، وكان نزيه، وثري، وجودًا كريمًا، فكان يعزم الجميع، فكان يصيف في الدول الأوروبية، ويضع أفخم العطور.
غراميات محمد التابعي
وأما عن غراميات محمد التابعي، فقال شلبي: «كانت ذات يوم حديث الأوساط من أسمهان حتى أميرات شهيرات، كلها كان هو المعشوق فيها، ورغم كثرة هذه القصص إلا أنه كان بعيدًا في سلوكه عن الابتذال تجاه الجنس اللطيف، بل كان كثير العفة والسلوك المحترم، وعندما تزوج التابعي أخلص لزوجته وبيته واسمه وظلت بينه وبين زوجته قصة حب حتى الأبد».