أسامة علام: «في مديح المخزنجي.. الأستاذ الذي غير حياتي»
أن يظهر ويلمع صوتا إبداعيا جديدا، كان ذلك بمثابة حدث تستقبله الأوساط الثقافية المصرية والعربية باحتفاء ورعاية لأسباب متعلقة بما يمكن أن نصفه بالانفجار الإبداعي المتعدد في كافة المجالات ما بين الشعر والقصة والرواية، ومن هنا جاءت رسالة احتفاء من الكاتب الروائي والقاص الطبيب أسامة علامة للقاص الطبيب محمد المخزنجي أحد علامات القصة المصرية الحديثة.
يقول الكاتب الروائي والقاص أسامة علام لـ«الدستور»: «تنتابني دائما فرحة عامرة في كل مرة أحاول الكتابة عن علاقتي بصديقي وأستاذي الكبير الدكتور محمد المخزنجي، تلك العلاقة التي أعتبرها أحد أجمل هدايا القدر، رحلة بدأت بمصادفة سعيدة في منتصف عام 2007، كنت وقتها عائدا لتمضية شهور بمصر المحروسة بعد دراستي للماجيستير بفرنسا قبل هجرتي مع أسرتي لكندا، وقد أنهيت كتابة روايتي الأولى «واحة الزهور السوداء»، وعلى موعد للسفر من المنصورة للقاهرة لبعض من أموري، وصادف أن يكون بصحبتي الأستاذ عماد الشهاوي أحد واحات الإنسانية بالمنصورة.. صديق تاريخي لكل المثقفين والأدباء في مدينتنا جزيرة الورد، والرجل بكرمه المعتاد وعد بإرسال نصي الروائي للدكتور المخزنجي، وككل محبي الأدب في مدينتنا كان – ومازال – الدكتور محمد هو ألمع من أنجبت المنصورة، نصوصه القصصية محملة بكل ما يجعل جيلنا أكثر تفهما لكينونته البشرية.. قصص مكثفة وحية وبديعة، وكان أن يقرأ لي الدكتور محمد المخزنجي هدية مفرحة واختبار لم أحلم به».
وأضاف: «أيام وجائتني البشارة غيرة المتوقعة من الأستاذ عماد الشهاوي، الرواية نالت إعجاب الأديب الأكبر في عالم اندهاشي القصصي، وأهداني رقم تليفون الدكتور محمد، مبشرا بأنه ينتظر مكالمتي، أتذكر هذه المكالمة المحفورة على لوحة ذكرياتي السعيدة، أول ما يعطيه صوت الدكتور المخزنجي لروحك هو شعور الأبوة الطاغي، وهو أمر أصيل في شخصية الرجل الحنون والمنفتح على تجارب الأجيال المختلفة، من أنت؟ كان سؤال قصير على بساطته بدى لي شديد الصعوبة، أنا الشخص الهاوي الذي كتب رواية عن واحة متخيلة في الصحراء مليئة بالخيال والأساطير، حاولت أن أحكي بفرح وسرعة كل ما أعرفه عن أسامة كشخص أخر، وبصدقه المعتاد أرشدني إلى أول حقيقة مربكة مازلت أحاول أن أتيقن بها عن نفسي، ما كتبته يدل على أنك شخص مجنون أو عبقري أو ربما مجرد طفل يكتب ما يحلو له».
وأشار «علام» إلى أنه «في رسالة عبر الإنترنت كتب لي مقدمة مكثفة عن الرواية، حدث ذلك قبل أن نتقابل بشكل شخصي المقابلة الأولى التي غيرتني كانسان وللأبد، في مقدمته ذكر ان الرواية وصلته عن طريق الأستاذ عماد الشهاوي الذي لا يستطيع أن يرفض له طلب، وأنه لمكانة الرجل في قلبه كان ينوي أن يطيب بخاطري بكلمات لطيفة من لطفه الكبير، دون أن يتورط في دعم كاتب لا يستحق أن اقتضى الأمر، لكن انطلاق الخيال وعوالم الرواية السحرية جعلته يتفضل على بالدعم رغم أنها روايتي الأولى، ورغم أني شاب لا يعرفه أحد، عائد من فرنسا ومتجه لكندا».
ويكشف «علام»: «في لقائي الأول كان انطباعه الأول عنى أنني طويل القامة رغم أنني كتبت رواية بطلها قزم في الصحراء، ملاحظات كهذه لا يلتفت لها سوى شخص بحساسية الدكتور محمد المخزنجي، شخص علاقته بالفطرة والكائنات في أنقى وأشد عنفوانها الإنساني».
وتابع: «كنا في نادى القاهرة بالجزيرة، تضائل جسدي أمام حكي الدكتور المخزنجي، تحولت إلى أذنين من الاسفنج، أنصت وأرتشف رحيق كلماته وأتعلم، تحدث عن المنصورة التي كانت ولم تعد، تكلم عن يوسف إدريس العظيم، حكى عن تجربته كطبيب بقسم الأمراض النفسية في المنصورة ومستشفى العباسية، وبكثير من التأثر حكى لي عن رحلة يوسف إدريس العظيم الأخيرة للندن، وكيف أنه لم يكن في وداعه الأخير سوى أسرته، كيف مشى وحيدا لساعات في القاهرة حزينا وفي رأسه فكرته التي أنارت حياتي إلى اليوم، أسرتك هي جيش الخالد ونجاحك الوحيد المستحق في الحياة».
واختتم: «من يومها لم تنقطع أبدا علاقتنا، علاقة أدرك فيها تماما طبائع روحه الشفيفة، لا أثقل عليه ولا ألح في التواصل يكفيني بعض قبس المؤانسة في كل زيارة للقاهرة أو عبر رسائل البريد الإلكتروني، وفي كل مرة أتعلم وأتحول لنفس الإسفنج الذي رأيتني عليه في مقابلتنا الأولى، وأعلم أن لي شيخ وأب روحي أحبه وأتمنى أن يبادلني المودة، وهو بكرمه المعتاد لا يبخل، وأكبح دائما قلبي من الثرثرة في الكتابة له حتى لا أثقل دنياه الممتلئة بالتأمل واستشفاف عجائب المخلوقات وفضائل الخالق، وأتعلم من نصوصه وجلساته كيف أصبح أب وزوج وانسان، وأحاول أن أهرب مثله من الضجيج الأدبي المعطل للكاتب، ومحتفظا لنفسي بحكمته التي لخص فيها الطريق والطريقة، وأكتب لكي ترضى عن نفسك أولا، فالكتابة هدية الكاتب».