ابتكار سلاح جديد بسبب أوكرانيا

يدرك الأوروبيون أن أرضهم تعتبر نقطة سلام ملتهبة، فالحروب والحروب العالمية التي حدثت بين بلدانهم ليست بعيدة زمنيًا، مما يوحي بأن أي خطأ أو زلة غير مقصودة يمكن أن تشعل نيرانًا لن تهدأ بسهولة.

لذلك كان الاعتداء الروسي على أوكرانيا بمثابة جرس إنذار مفزع تداعت معه كل الأحداث والمسببات للحروب التي راح ضحيتها الملايين، فلم يكن من بد أن تتخذ أوروبا عقوبات قوية، سافرة، شاملة وربما غير قانونية تجاه روسيا.

وفيما يتجاسر بوتين لمحاولة كسر الهوية الأوكرانية، وتحييد هذه الجارة التي تمثل معبرًا للناتو والاتحاد الأوروبي، وفيما يضع استراتيجيات بسيطة لمهمة قصيرة متسلحًا بجنون العظمة، تحدث المفاجأة وتقاوم أوكرانيا ويزداد أمد الحرب بلا حسم.

بالتوازي تلعب العقوبات الاقتصادية لعبتها وتسبب تأثيرًا قويًا على روسيا واقتصادها بصرف النظر عن أي إنكار للواقع تهمس به إدارة بوتين. لقد وقع الدب في الفخ الذي صنعه بنفسه، والآن يظهر وحش قديم جديد هو "العقوبات الاقتصادية"، ليؤثر بشكل ملحوظ في هذه الحرب وغيرها.

التعدد الكبير لدول الغرب، وعلاقاتها المتشابكة مع جميع دول العالم، وسيطرتها على الحصة الأكبر من الاقتصاد العالمي، تصنع ضغوطًا قوية وقد مكنتهم من تغيير مسار الحرب، لتصبح روسيا في موقف مهتز، ونتوقع أنها تناقش أفضل سيناريوهات التراجع دون أن يشعر أحد بالاضطراب الذي حدث لها، وبمكاسب جيوسياسية معقولة. 

لقد تم استخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح منذ أمد بعيد في الكثير من الصراعات، في القرن الخامس قبل الميلاد أصدرت "أثينا" عقوبات اقتصادية ضد مدينة إغريقية تدعى "ميغيرا" لأنها رفضت الانضمام إلى التحالف "الديلياني" لمواجهة الإمبراطورية الفارسية. في التاريخ الإسلامي تمت مقاطعة وحصار "بني هاشم" لمدة 3 سنوات في العام السادس للنبوة لأنهم رفضوا معاداة قريش للنبي. في العصر الحديث يعد اتحاد العرب لوقف تزويد الغرب بالبترول خلال حرب 1973 نوعًا من أنواع العقوبات الاقتصادية.

حاليًا نجد أن كوريا الشمالية وكوبا وإيران ما زالت تحت عقوبات اقتصادية صارمة، لكنها لم تحرز نتائج واضحة رغم مرور السنين، والسبب أن هناك حلولًا وبدائل وحلفاء في العالم يستطيعون تغطية آثار هذه العقوبات، لكن العقوبات على روسيا تتخذ تطورًا جديدًا لم يحدث من قبل، فهي بالفعل عقوبات شاملة بدءًا من التعامل التجاري مرورًا بتوقف الكثير من الشركات الكبرى عن العمل داخل روسيا وانتهاء بالحرمان من المشاركة في البطولات الرياضية مثل كرة القدم، وتتحد مجموعة كبيرة من الدول والمؤسسات من أجل تطبيق هذه العقوبات وتهدد بالمزيد مع تطور الأحداث.

يبدو أن هناك نظامًا جديدًا يتشكل، وسوف يصنع فارقًا في المستقبل وهو قائم على الاتحاد لتطبيق عقوبات اقتصادية شاملة تمنع دولة ما من التهور أو فعل ما لا يرضي الآخرين، وقد نجح الغرب ولو نسبيًا في تحقيق هذه الاستراتيجية وبالطبع سوف يغريه النجاح باستخدامها في المستقبل سواء في قضية عادلة أو غير عادلة، وهو ما ينذر بأخطار محدقة على الجميع لأن ما تملكه الولايات المتحدة ودول أوروبا من مفاصل الاقتصاد العالمي يمنحها تفوقًا نسبيًا يمنحها كل القوة لفعل ما تريد إذا اتحدت.

ما نتمناه أن تصبح هذه الوسيلة فقط للردع، فيتوقف المجانين من قادة الدول عن أفعالهم المتهورة التي تؤدي للحروب.

سوف يظهر مصطلح "الردع الاقتصادي" بقوة في المستقبل القريب وقد يمنح العالم شكلًا من السلام النسبي أو الحروب الاقتصادية الطاحنة.