من النواحة إلى الإذاعة.. التاريخ السري لأشهر قارئات القرآن في الستينيات
شهدت فترة التسينيات من القرن العشرين العديد من ظهور قارئات القرآن الكريم اللواتي وصلن شهرتهن إلى العالم العربي والأوروبي، ذاع صيتهن وكن يمكن حنجرة ذهبية فمنهن من كانت ترتل في حرملك الوالى والأخرى كانت ترتل في إذاعة لندن وباربس.
وبموت السيدة نبوية النحاس عام 1973، أنطوت صفحة رائعة من كتاب فن التلاوة، والإنشاد الديني في العصر الحديث، فقد كانت السيدة نبوية هى آخر سيدة ترتل القرآن الكريم فى الاحتفالات العامة، وفى المناسبات الدينية، وفى المآتم والأفراح، وكان الاستماع إليها مقصورًا على السيدات، وكان بمسجد الحسين قسم خاص للسيدات يدخلن إليه من باب خاص، وكانت السيدة نبوية هى واحدة من ثلاث سيدات اشتهرن في نفس الوقت، السيدة كريمة العدلية، والسيدة منيرة عبده، والسيدة نبوية، بحسب ما جاء في كتاب “ألحان السماء” للكاتب محمود السعدني.
الشيخة كريمة العدلية
أما السيدة كريمة العدلية فهى أشهرهن جميعًا، ظهرت في عصر الشيخ على محمود والشيخ منصور بدار، ووصل صوتها للعالم العربي كله من خلال الميكرفون أيام الإذاعات الأهلية، وعاشت كريمة حتى تم تمصير الإذاعة، وظلت تذيع القرآن بصوتها العذب حتى فترة الحرب العالمية الثانية.
وكانت هناك قصة حب شديدة بينها وبين الشيخ على محمود كانت تعشق صوته وطريقته في الأداء، وكان هو يفضل الاستماع إليها ويفضل صوتها على أصوات بعض القراء، وكثيرًا ما كنت تصلى الفجر في الحسين حتى تستمع إليه.
الشيخة أم محمد
لم يسبق للشيخة كريمة العدلية واحدة من النساء إلا الشيخة أم محمد التي ظهرت في عصر محمد على، وكان من عادتها إحياء ليالي رمضان في حرملك الوالى، كما كانت تقوم بإحياء ليالي المآتم في قصور قواد الجيش وكبار رجال الدولة، وكانت موضع إعجاب من محمد على.
الشيخة منيرة عبدة
ولكن الشيخة منيرة عبده لم تحقق الشهرة التي وصلت إليها الشيخة كريمة العدلية بالرغم من وصول صوتها إلى العالم العربي من خلال الميكروفونات في الإذاعة الأهلية المصرية، وقرأت لأول مرة القرآن الكريم عام 1920، كانت فتاة صغيرة نحيفة، وكان عرض عليها إحياء ليالي رمضان في تونس عام 1925 بمبلغ ألف جنيها، في قصر بصفاقس، ولكنها رفضت.
وعلى الرغم من علاقتها الطيبة بكل القراء إلا أنها كانت تفضل الشيخ محمد الصيفي على جميع القراء فكانت تعتبره شيخ القراء، وقبل الحرب العالمية الثانية بقليل أفتى أحد المشايخ فتوى بأن صوت المرأة عورة، وهكذا اختفت الشيخة منيرة من الإذاعة، وتوقفت إذاعة لندن وباريس من إذاعة إسطواناتها خوفًا من غضب المشايخ الكبار.
تاريخ مهنة النواحة لقارئات القرآن الشهيرات
مصر كانت تضم العشرات من القارئات غير كريمة ومنيرة عبده وسكينة حسن ونبوية النحاس، فقد كانت هؤلاء السيدات الشهيرات الكثيرات من السيدات اللواتي يمارسن هذه المهنة في أحياء القاهرة الشعبية وفى الريف، والسبب أنه كانت للأسر المصرية حتى بداية القرن تقاليدا ظلوا متمسكين بها حتى الربع الأول من هذا القرن، كانت ليالي المآتم تقام ثلاثة أيام للرجال وثلاثة أيام للنساء.
وفى البداية لم يكن هؤلاء السيدات يحترفن مهنة ترتيل القرآن الكريم، ولكنهن كن يحترفن مهنة النياحة أو المعددات كما كان يطلق عليهن أبناء الشعب آنذاك، وأشهر هؤلاء كانت الحاجة دربالة في الجيزة، وعندما كانت تحترف النياحة كانت قادرة على أن تستدر الدمع من عيون الصخر، ثم احترفت قراءة القرآن الكريم فترة من الوقت ولكنها لم تستمر طويلًا، فقد أصيب بمرض خبيث وماتت وهى في الخمسين من عمرها.
وكانت هناك الحاجة خضرة في المنوفية، والست عزيزة في الإسكندرية، والست رتيبة في المنصورة، والشيخة أم زغلول فى السويس، والغريب أنهن جميعًا كن يحترفن النياحة في المآتم قبل أن يتحولن إلى قارئات.
تاريخ النواحة
وكانت للنواحة فى مصر آنذاك نجوم أشهر من نجوم السينما حتى منتصف القرن الحالى، وهذه المهنة نفسها"النواحة" كانت معروفة في الجزيرة العربية فى أيام الجاهلية وصدر الإسلام، وكان يحترفها ابن سريج في المدينة، ومعبد في مكة قبل انتقالهما إلى الطرب والغناء.
ولكن أشهرهم في التاريخ المصري هى الشيخة أم عبد السلام، وقد ظهرت في العصر المملوكى، وماتت عن طريق الحرافيش انقضوا عليها ورموها بالحجارة حتى توفيت، ودفنت في مقابر الصدقة.