صندوق النقد الدولى يتوصل إلى اتفاق بشأن السياسات الاقتصادية مع لبنان
قامت السلطات اللبنانية، بدعم من خبراء صندوق النقد الدولي، بوضع برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وإزالة العقبات أمام النمو المنشئ للوظائف، وزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على إعادة الإعمار.
يخضع البرنامج المتفق عليه لموافقة إدارة الصندوق العليا ومجلسه التنفيذي، وقد وافقت السلطات اللبنانية على إجراء عدة إصلاحات حيوية قبل اجتماع المجلس التنفيذي.
سيكون الدعم التمويلي بشروط عالية التيسير من شركاء لبنان الدوليين أمرا ضروريا لدعم جهود السلطات، وضمان تمويل البرنامج بالقدر الكافي وقدرته على تحقيق أهدافه.
وتلبية لطلب السلطات اللبنانية، قامت بعثة من صندوق النقد الدولي بقيادة إيرنستو راميريز ريجو بزيارة إلى بيروت، لبنان، في الفترة من 28 مارس إلى 7 إبريل، لمناقشة دعم الصندوق للبنان ولبرنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي وضعته السلطات. وفي ختام البعثة، أدلى راميريز ريجو بالبيان التالي:
توصلت السلطات اللبنانية وفريق من خبراء الصندوق إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن أن يدعمها اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد"، مع طلب إتاحة موارد من الصندوق بقيمة 2173,9 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 3 مليارات دولار أمريكي).
ويخضع هذا الاتفاق لموافقة إدارة الصندوق العليا ومجلسه التنفيذي، بعد تنفيذ كل الإجراءات المسبقة المطلوبة في حينها وتأكيد الدعم المالي من الشركاء الدوليين. ويهدف "تسهيل الصندوق الممدد" إلى دعم استراتيجية الإصلاح التي وضعتها السلطات لاستعادة النمو والاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على إعادة الإعمار. وينبغي أن يتم إكمال ذلك بإعادة هيكلة الدين العام الخارجي التي ستؤدي إلى مشاركة كافية من الدائنين لإعادة الدين إلى حدود مستدامة وسد فجوات التمويل.
ويواجه لبنان أزمة غير مسبوقة، أدت إلى انكماش اقتصادي حاد وزيادة كبيرة في مستويات الفقر والبطالة والهجرة. وتجسد هذه الأزمة مواطن ضعف عميقة ومزمنة تولدت عن سنوات عديدة من السياسات الاقتصادية الكلية غير المستدامة التي تسببت في عجوزات مزدوجة كبيرة (في المالية العامة والحسابات الخارجية)، والدعم لسعر صرف مبالغ فيه، وقطاع مالي مفرط في حجمه، مع مشكلات حادة في المساءلة والشفافية وافتقار إلى الإصلاحات الهيكلية. كل هذا بلغ مستوى الأزمة في أواخر عام 2019 مع تسارع تدفقات رؤوس الأموال الخارجة التي أدت إلى عجز لبنان عن سداد ديونه في مارس 2020، وأعقبه ركود عميق، وهبوط حاد في قيمة العملة اللبنانية، ومعدل تضخم من ثلاث خانات.
وتفاقمت الأزمة من جراء جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، بينما تؤدي الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى ضغوط على الحساب الجاري والتضخم ومزيد من النقص في إمدادات الغذاء والوقود. وقد حدث تدهور حاد في الأحوال المعيشية للسكان، وخاصة الأكثر ضعفا، وهو ما يرجع في جانب منه إلى عدم توفر الموارد والافتقار إلى شبكة قوية للأمان الاجتماعي.
وتدرك السلطات الحاجة الملحة للشروع في برنامج إصلاح متعدد الأبعاد لمعالجة هذه التحديات، واستعادة الثقة، وإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام، مع نشاط أقوى للقطاع الخاص ومزيد من القوة في خلق الوظائف. وفي هذا الصدد، تقوم خطة السلطات على خمس ركائز أساسية:
· إعادة هيكلة القطاع المالي لكي تستعيد البنوك مقومات الاستمرار وقدرتها على تخصيص الموارد بكفاءة لدعم التعافي؛
· تنفيذ إصلاحات مالية تضمن، مع إعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، بقاء الدين في حدود مستدامة وخلق حيز للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية؛
· إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، ولا سيما قطاع الطاقة، لتقديم خدمات ذات جودة دون استنزاف الموارد العامة؛
· تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بغية تدعيم الشفافية والمساءلة، بما في ذلك عن طريق تحديث الإطار القانوني لمصرف لبنان وترتيبات الحوكمة والمساءلة؛
· إقامة نظام للنقد والصرف يتسم بالموثوقية والشفافية.
وتمثل السياسات والإصلاحات الحاسمة في هذه المجالات، إلى جانب التمويل الخارجي الكبير، أمرين ضروريين لتحقيق أهداف السلطات في الأعوام القادمة.
ويتضمن هذا تحسين المالية العامة وتخفيض الدين العام من خلال تدابير لتوليد الإيرادات والإصلاح الإداري بغية ضمان توزيع العبء الضريبي بصورة أكثر عدالة وشفافية. وتعد ميزانية 2022 خطوة أساسية في هذا الاتجاه. وهي تهدف إلى تحقيق عجز أولي بنسبة [4]% من إجمالي الناتج المحلي يدعمه تعديل في تقييم الواردات للأغراض الجمركية والضريبية بحيث يعتمد على سعر صرف موحد. ومن شأن هذا أن يسمح بزيادة علاوات موظفي القطاع العام لاستئناف نشاط الإدارة العامة، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، بهدف حماية الأكثر ضعفا. وسيتم تمويل عجز الميزانية من خلال التمويل الخارجي، وسيتم إلغاء الإجراء الذي يسمح بالتمويل من مصرف لبنان.
"وسيسترشد مصرف لبنان بالأهداف الكلية المؤدية إلى خلق ظروف تسمح بتراجع التضخم، بما في ذلك عن طريق اعتماد نظام نقدي جديد. وسيركز على إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي والحفاظ على سعر صرف موحد يحدده السوق، مما سيساعد القطاع المالي على العمل، ويسهم في تحسين توزيع الموارد في الاقتصاد، ويسمح باستيعاب الصدمات الخارجية. وسيتم تعزيز صلاحيات مصرف لبنان وهيكل حوكمته عن طريق اعتماد إصلاحات واسعة النطاق في التشريعات اللازمة.
وسيتعين استعادة صحة القطاع المالي والمقومات اللازمة لاستمراره حتى يتمكن لبنان من تبديد عدم اليقين الحالي وتهيئة الظروف المواتية لتحقيق نمو اقتصادي قوي. وهناك احتياجات ضخمة لإعادة الرسملة الكلية في الجهاز المصرفي، وسيتعين الاعتراف بالخسائر في البداية والعمل على توزيعها، مع حماية صغار المودعين. وقد تم تصميم استراتيجية ملائمة، ويتطلب تنفيذها عددا من التعديلات التشريعية لدعمها.
وستتبع هذه الخطوات المبدئية إصلاحات أخرى. وستؤدي إصلاحات السياسة الضريبية وإدارة الإيرادات إلى توسيع القاعدة الضريبية وزيادة حصيلة الإيرادات. أما الخطط الشاملة لاسترداد التكلفة في قطاع الطاقة واستحداث إطار جديد للمؤسسات المملوكة للدولة من أجل تحسين حوكمتها والإشراف عليها فستساعد على الحد من نزيف الموارد الحكومية الشحيحة. ومن خلال تحديث إطار إدارة المالية العامة، وتنفيذ قانون الشراء العام الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا، وتمرير قانون المنافسة، وإصلاح نظام الخدمة المدنية ومعاشات التقاعد ونظم التقاعد، سوف تزداد الشفافية وكفاءة الإنفاق. وسيُستخدم الحيز المالي الذي تتيحه هذه الجهود في تحسين الحماية والعدالة الاجتماعيين بين المواطنين اللبنانيين وكذلك في تنمية البنية التحتية ورأس المال البشري. وسيتم تعزيز أطر الرقابة المصرفية وتسوية أوضاع البنوك المتعثرة أو تصفيتها، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك نظم تأمين الودائع والإقرار بالأصول، كما سيتم تفعيل عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بشكل كامل.
"وسيتم استكمال هذه الجهود بإصلاحات جارية بالفعل أو ستتم مناقشتها مع المؤسسات المالية الإقليمية ومتعددة الأطراف، للاستفادة مما تمتلكه من خبرة فنية مهمة وتمويل حيوي، ومساعدة السلطات في جهودها لإرساء دعائم اقتصاد أقوى وأكثر استدامة.
وتدرك السلطات التحديات التي تواجهها في تنفيذ هذه الخطة الطموحة، ولكنها أكدت أهمية برنامج الإصلاح المقرر لإنهاء الأزمة الحالية وأنه يحظى بتأييد واسع النطاق من القيادة السياسية. وأعربت عن التزامها القوي بتنفيذ برنامج الإصلاح المذكور والمثابرة في تنفيذه بصورة حازمة أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. كذلك تعهدت السلطات بتكثيف جهودها من أجل الإفصاح عن خططها الإصلاحية للجمهور وتوضيحها له.
وأخيرا، تدرك السلطات الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات في أسرع وقت ممكن، واتفقت على استكمال التدابير التالية قبل اجتماع المجلس التنفيذي للصندوق:
· موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقر مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من الاستعانة بالموارد العامة.
· موافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي، وهو ما يعد عاملا جوهريا لدعم النمو.
· الشروع في تقييم أكبر 14 بنكا، كل على حدة، بمساعدة خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.
· موافقة البرلمان على تعديل قانون السرية المصرفية لمواءمته مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد والإزالة الفعالة للعقبات أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي والرقابة عليه، وإدارة الضرائب، وكذلك الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها، واسترداد الأصول.
· الانتهاء من التدقيق ذي الغرض الخاص المتعلق بوضع الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.
· موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والدين، وهو أمر ضروري لإعادة الديون إلى مستوى يمكن الاستمرار في تحمله، وإرساء مصداقية السياسات الاقتصادية، وخلق حيز مالي للإنفاق الإضافي على البنود الاجتماعية وإعادة الإعمار.
· موافقة البرلمان على موازنة 2022، للبدء في استعادة المساءلة المالية.
· قيام مصرف لبنان بتوحيد أسعار الصرف لمعاملات الحساب الجاري المصرح بها، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة المصداقية وسلامة الوضع الخارجي، مع دعم ذلك بفرض ضوابط رسمية على رأس المال.
"ويعرب فريق الصندوق عن امتنانه للسلطات اللبنانية وعدة مجموعات من المجتمع المدني والقطاع الخاص على ما تم من مناقشات مفتوحة وبناءة وما حظي به أعضاء الفريق من كرم الضيافة."