الاختيار 3.. بين الواقع والخيال «8»
البديل الثالث الذى قضى على طيور الظلام
أهم مشاهد الحلقة ٨ المشهد الذى يقدم فيه اللواء السيسى تقدير موقف المشير طنطاوى حول احتمالات فشل الإخوان
أخطر ما فى «الاختيار ٣» ليس أنه يكشف المؤامرة ولكن أنه يقول إنه ليست هناك مؤامرة
غباء الإخوان دفعهم لأن يغادروا مقعد المعارضة الذى حققوا من خلاله مكاسب أسطورية لمقعد الحكم الذى كشفهم خلال أسابيع ودفع الجميع لرفضهم
من وجهة نظرى فإن أهم ما فى حلقات «الاختيار ٣» ليس أنها تكشف المؤامرة.. ولكن أنها تقول إنه ليست هناك مؤامرة.. إنها تلتزم برواية ما حدث بصدق شديد حتى لو ظن البعض أن هذا قد يفيد الإخوان.. لم تكن هناك مؤامرة من الجيش المصرى على أحد.. كان يشهد نهاية التجارب ويتدخل ليمسك بالبلد قبل أن تعم الفوضى.. حدث هذا مع الحزب الوطنى فى يناير ٢٠١١.. وحدث مع الإخوان فى يونيو ٢٠١٣.. إن أهم مشهد فى الحلقة الثامنة من «الاختيار ٣» ليس مشهد محمد مرسى وهو يحذر المشير طنطاوى من إحراق البلد فى حالة عدم إعلان فوزه.. ولكن مشهد تقدير الموقف الذى يقدمه اللواء السيسى مدير المخابرات الحربية للمشير طنطاوى ويلخص فيه واقع القوى الكبرى الموجودة فى الشارع المصرى قبل يناير وبعد يناير وربما حتى الآن.. لقد كان هذا اللقاء فى أعقاب تهديد مرسى بإحراق البلد، وبأن الأمر لن يكون كما كان فى ١١ فبراير «يوم خلع مبارك»، والمعنى أن الإخوان سيعتدون على مؤسسات الدولة المصرية نفسها.. وهو سيناريو تكرر بعد ذلك فى سوريا وفى ليبيا وفى دول أخرى.. لكن هذا ليس هو المهم.. المهم هو تقدير الجيش المصرى متمثلًا فى الرئيس السيسى «اللواء وقتها» للموقف.. فقد كان يرى أن أولى القوى فى الشارع المصرى هى الجيش المصرى وهو مؤسسة وطنية كبيرة تحظى بثقة المصريين.. وقد تعرضت صورته للاهتزاز بسبب ظروف ثورة يناير ٢٠١١ وتورطه فى العملية السياسية وحملة التشويه التى تعرضت لها القوات المسلحة.. وكان تقدير اللواء السيسى أن الجيش سيحتاج بعض الوقت لاستعادة رصيده فى قلوب المصريين.. أما القوة الثانية التى كانت موجودة على الأرض فهى الحزب الوطنى الذى انهار تمامًا وفقد نفوذه بعد يناير ٢٠١١.. أما القوة الثالثة فهى الإخوان المسلمون الذين استثمروا ضعف مؤسسات الدولة المصرية.. وتعاطف المصريين مع فكرة الدين ففازوا بالانتخابات البرلمانية وبعدها الانتخابات الرئاسية.. لقد لخص السيسى واقع الحال فى مصر منذ التسعينيات حتى الآن.. إن كل ما فعله أنه جاء بمشهد نهاية فيلم طيور الظلام وأضاف له مكونًا ثالثًا لم يكن موجودًا فى المشهد الذى صاغه الأستاذ وحيد حامد وإن كان موجودًا فى خلفيته.. هذا المكون أو البديل هو الجيش المصرى.. لقد روى هذا الفيلم الذى ظهر فى عام ١٩٩٥ قصة الصراع على مصر بين صديقين انتهازيين انتمى أحدهما للحزب الوطنى والآخر لصفوف جماعة الإخوان.. وتنبأ بأن ينتج عن صراعهما على مَن يسبق ويسدد ضربة لكرة موجودة بينهما فى انكسار لوح زجاج أو فى إنهاء المشهد بانفجار كبير.. وقد كان هذا المشهد ملهمًا لكثيرين كنت واحدًا منهم.. حيث أيقنت أن مستقبل مصر لا يمكن أن يكون مع الفساد، كما أنه لا يمكن أن يكون مع الإرهاب، وأن مصر فى حاجة إلى بديل ثالث يتمثل فى القوات المسلحة أو فى تحالف وطنى تقوده القوات المسلحة يستبعد العناصر الفاسدة والانتهازية والمتطرفة.. وقد كان هذا اختيار عدد كبير من مثقفى مصر قبل يناير ٢٠١١.. الذين كانوا فى انتظار هذا البديل الثالث.. الذى كان فى حاجة لظرف موضوعى يتيح له النضج، وكان فى حاجة أيضًا لابن من أبناء المؤسسة العسكرية يملك الوعى بحتمية هذا الدور والقدرة على تحويله إلى حقيقة على أرض الواقع.
أما الجزء الثانى الأهم فى نفس المشهد، الذى يتسم بصدق يستحق التحية، فهو الذى يقول فيه اللواء السيسى للمشير طنطاوى إن حجم التحديات كبير جدًا على من يتصدى له، وإن الفشل حتمى، ويتلو الآية القرآنية «لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى»، والمعنى أن الوعى بطبيعة الإخوان الإرهابية لا يصلح لأن يكون مبررًا لتغيير نتيجة الانتخابات ما دام الناس قد اختارت مرشح الإخوان.. وكان هذا هو تقدير الموقف الثانى الذى يقدمه اللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية لوزير الدفاع.. فى حين كان تقدير الموقف الأول فى أبريل ٢٠١٠ وكان يتوقع حدوث احتجاجات شعبية ضد توريث الحكم فى مصر، وينصح بأن ينحاز الجيش لرغبة الناس فيها.. وهى النصيحة التى نتج عنها إنهاء حكم الطرف الأول فى معادلة طيور الظلام، وهى الحزب الوطنى.. والحقيقة أن الحزب الوطنى كان تجمعًا سياسيًا يجمع تركيبة من البيروقراطية وعناصر التكنوقراط وبعض الخبرات السياسية القديمة ورجال الأعمال الذين توحش نفوذهم فى آخر عشر سنوات واستولوا على الحزب وسخروه لتحقيق مصالحهم.. وعجزوا عن كسب ثقة الناس فأضافوا لرصيد جماعة الإخوان الكثير.. ولعل هذا هو سر إحساس بعض الناس بوجود تضارب فى الموقف من الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. ولعل سبب هذا أن الرجل كانت له صفتان لا صفة واحدة.. فهو رئيس للجمهورية.. صعد إلى المنصب بسبب منصبه العسكرى وبطولته فى حرب أكتوبر، وهو ما يجعله موضع احترام وتقدير كبيرين.. لكنه فى نفس الوقت أو مع الوقت أصبح رئيسًا للحزب الوطنى، الذى شاع عن بعض مسئوليه الفساد وتم التحقيق مع كثير منهم فى قضايا تضخم الثروة، وتصالح عدد كبير منهم وأعادوا جزءًا مما كسبته أيديهم.. وقد كان هذا هو الجزء غير المحبوب فى شخصية مبارك.. وربما كان هو السبب فى عدم انضمام الرئيس السيسى لأى حزب سياسى، وتفضيله أن يظل منتميًا للقوات المسلحة وأن يخدم مصر من خلال مؤسسات الدولة الوطنية، مع مراعاة أن كل الأحزاب السياسية بعد ٣٠ يونيو على أعلى قدر من النزاهة والشفافية وأنها تخضع لمتابعة مستمرة.. أما الإخوان أنفسهم فأنا أرى أن جريمتهم الأعظم هى «الغباء السياسى» و«الغشومية المفرطة» و«انعدام الكفاءة الدائم».. ولولا هذا الغباء لما تخلوا عن مقعد المعارضة السياسية ليمسكوا بسلك الكهرباء العارى فى الاتحادية.. فمقعد المعارضة كان مقعدًا ملكيًا، مكَّن الإخوان طوال عصر مبارك من المزايدة المستمرة على الحكومات المختلفة بالحق حينًا وبالباطل أحيانًا، والظهور بمظهر حلالى المشاكل والمتحدثين باسم الشعب، ومكنهم أيضًا من تأسيس مئات الشركات وتكوين ثروات بمئات المليارات وضم الآلاف من الأعضاء.. ولو كانوا أذكياء لاستمروا فى هذا المقعد الذى كان يمكنهم من ابتزاز الجالس على مقعد الحكم والمزايدة عليه ومراكمة المكاسب الاقتصادية والاجتماعية مكسبًا وراء مكسب.. لكن جماعة الإخوان تحترف الغباء السياسى طوال عمرها.. ولم يجد قادتها الفرصة لأن يتعلموا المثل القائل إن الطمع يقل ما جمع.. وهكذا فإن هذا النهم للسلطة، الذى وصل إلى حد التهديد بإحراق البلد لو تم نظر الطعون فى العملية الانتخابية، وجد «ثعلبًا سياسيًا» مثل الرئيس السيسى قرر أن يتعامل معه بما يليق به دون خداع ودون مؤامرة.. فالرجل كان دارسًا للواقع المصرى بدقة شديدة.. وكان يعرف أن جماعة مثل الإخوان قادمة من خارج دولاب الدولة المصرية ودون أدنى خبرة بها ستفشل فى مواجهة التحديات الكبيرة فى مصر.. وكان يدرك أيضًا أن منح الإخوان الفرصة هو ثمن أقل بكثير جدًا من خطة إحراق مصر والثمن الذى ستدفعه القوات المسلحة بمواجهة هذه الخطة.. فقرر أن يضعهم أمام محكمة الشعب وأن يمنحهم الفرصة التى طالما حلموا بها لثمانية عقود.. وجاءت النتيجة كما رأينا جميعًا.