رمضان جانا «٢»
المستقبل للإسلام الروحانى
تحتاج التجربة الروحية إلى التأمل والتساؤل حول وحدة الوجود، وقد اعتنى الإسلام بالتجربة الروحية، من خلال تأكيد آيات القرآن الكريم على ذاتية الإنسان وفرديته وفرادته، وأنه مسئول عمّا يفعل، وهذه المسئولية هى مسئولية فردية يسأل عنها كل فرد مسلم.
لكن مرور السنوات وتراكم القرون جعلا المسلمين يبتعدون عن روح الإسلام البريئة الفطرية النقية ومفاهيمه الكونية الشاملة التى تدعم التنوع والتعددية الفكرية.
وقد لا يكون من المدهش أن بين من يهتمون بإحياء روح الإسلام والدعوة إلى قراءة روحية واعية جديدة للإسلام باحثًا فرنسيًا هو «إيريك يونس جوفروا» (١٩٥٦)، بدأ رحلته الروحية عام ١٩٨٤ عندما كان فى السابعة والعشرين من عمره للبحث عن الله والحقيقة الإلهية ومآل الوجود الإنسانى غير المادى، فرحل إلى الكنائس وزار معابد بوذية ودخل مقدسات لا دينية، ومساجد إسلامية، وقرأ كتبًا فى الفكر الإسلامى والفلسفات الروحية، فاقتنع بالإسلام دينًا، واتخذ من التصوف أو الجانب الروحانى فى الإسلام محورًا لدراساته، حتى شغل منصب مدير قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة ستراسبورج بفرنسا، وقدم عدة كتب تختص بالشأن الصوفى مثل: «اللحظة الصوفية»، «صوت صوفى فى العالم: الشاذلية»، «الصوفية.. الطريق العميق للإسلام»، و«الإسلام سيكون صوفيًا أو لا يكون»، و«المستقبل للإسلام الروحانى»، (٢٠١٦).
ويعد هذا الكتاب قراءة واعية للإسلام، تقدم صورة جديدة للإسلام «دين السماحة»، فوسط جحيم الأصوليات المتشددة التى يشهدها العالم، يأتى هذا الكتاب ليقدم صورة حقيقية للإسلام قد لا يراها أو يعرفها كثير من المسلمين.
يطالب الكتاب بثورة فقهية تتطلب التحول عن الماضى واعتناق فكر جديد يجعل الإنسان المسلم يدرك بشكل أفضل معنى خلق الكون وخلقه هو أيضًا، وتجديد النظرة إلى الإسلام، والعودة إلى إسلام الفطرة وبعث المنهجية الإسلامية الأصلية ونفض الغبار عنها، حتى تتاح لنا إعادة التوازن لحياتنا من جديد.
ويقدم الكتاب عددًا من الأفكار التى يمكن أن تكون مرشدًا للمسلم لخوض تجربته الروحية، من خلال البحث عن الإسلام الحقيقى كما أراده الله لنا منها:
- تعانى الثقافة الإسلامية من أزمة كبرى فى الوقت الراهن بسبب جمودها وابتعادها عن روحانية الإسلام وتمسكها بالإسلام التاريخى.
- الصوفية لا تبنى ضد العقل، لكنها تصل للعقل وتتجاوزه بالاعتماد على الاكتشاف والإلهام، وهى أيضًا تبنى على التوازن بين الظاهر والباطن، وينبغى عدم الخلط بين الصوفية كفكرة روحانية كبرى وممارسات الروح الصوفية، فالشيخ محمد عبده كان شاذليًا، لكنه ينتقد تصرفات شعبية للطرق الصوفية.
- الصوفية تعلمنا ألا نغرق فى الأمل انتظارًا لمن ينقذنا، ومعنى روحانية الصوفية أنها تنظر إلى عناصر الوعى المختلفة، سواء كان وعيًا نفسيًا أو علميًا أو دينيًا من فوق نظرة كلية، وهذا ما نحتاجه اليوم؛ لأن جوهر الإنسانية بصدد غياب تام فى كثير من العلاقات الإنسانية المستنسخة.
- يتميز المتصوفون بقدرتهم الاستبصارية العالية، لأنهم يعيشون داخل تجربة روحية عميقة، الغالبية العظمى قد لا تكون مستعدة لفهم أو خوض هذه التجربة العميقة، تحويل الدين من دين شكلى ظاهرى إلى تجربة داخلية باطنية روحية.
- علينا إعادة اكتشاف الإسلام الكونى الذى يمثل التجلى لمعنى «الدين القيّم» كما هو موجود فى القرآن الكريم، وأن نتعلم قراءة القرآن الكريم، والتوقف عن استغلال الإسلام سياسيًا، لأن ذلك أدى إلى قلب معانى الإسلام وتقديم عكس حقيقة الإسلام والمتمثل فى ظواهر الإرهاب والتطرف.
- الوعى الروحى هو القادر على مساعدة المسلم على تجاوز أزمته، ويلهم على الصعيد الكونى نماذج أخلاقية إنسانية شاملة لهداية الإنسان تشمل جميع الأصعدة «البيئية، الاقتصاد، إدارة الصراعات الدولية..».
ويرى «إيريك يونس جوفروا» الروحانية أصل كل دين، فكل دين سماوى، إسلامى أو مسيحى أو يهودى، له روحانيته، وأن غياب الروحانية هو سبب ما نمر به حاليًا من تدهور فى الأيديولوجيات والاتجاه إلى العنف والتطرف، ولا بد من إعادة نشر الوعى الروحى والأخلاقى بين الناس، لنتغلب على الأزمات الكبرى التى تسيطر على العالم الإسلامى، كالأزمات البيئية والاقتصادية، وكذا أزمات المهاجرين وغيرها، لا بد من رفع الأخلاقيات، حتى لا تسقط الحياة فى مستوى أدنى، لا بد من وجود وعى روحى وكونى، كما يشير القرآن الكريم، خاصة فى السور المكية.