رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الشهاوى: المتصوف كائن منفتح على العالم يقبل الديانات كافة

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي

في كتابه الأحدث "سلاطين الوجد.. دولة الحب الصوفي"، يذهب الشاعر الكبير أحمد الشهاوي إلى أنه: "وإذا كان للمسلمين في مصر عيدان هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، فإن الموالد الدينية الصوفية، كانت أعيادًا دائمةً موزَّعةً على جغرافيا مصر المُمتدة في ريفها وحضرها.

والمولد كما عرفتُه في طفولتي وصباي طقسٌ شعبيٌّ دينيٌّ، يتم فيه الاحتفاء والاحتفال برمزٍ صوفيٍّ، أو بطريقةٍ صوفيةٍ رئيسيةٍ، أو فرعيةٍ تمثِّل جُزءًا من خريطة الطرق الصوفية في مصر .

ومنذ القرن السابع الهجري ــ الثالث عشر الميلادي، ومصر تحتفل بأوليائها وأقطابها من المتصوفة، سواء من وُلدوا على أرضها، أو من مَرُّوا بها في طريقهم إلى الحجِّ، أو من مكثُوا فيها بضع سنوات من أعمارهم، ولكنَّ الحال تبدَّلت واختلفت مع هبُوب رياح المذاهب السلفية المُتشدِّدة، وبروز الجماعات الدينية المُتطرفة والمُوغلة في سفك الدماء، وتكفير الناس والدولة، وإطلاق يد جماعة الإخوان، حتى تمكَّنت من مفاصل الحياة جميعها، وصار لها ذراعٌ طويلة تضرب وتنخُر في كل شأن.

وكل طائفة من هذه الطوائف أرادت بهمَّة ودأبٍ أن تطرُد الصوفيين من الساحة، فعمدت إلى تكفيرهم ومحاربتهم بدعم خارجيٍّ من دولٍ ترى في التصوف كُفرًا، وتريد تسييد مذهبها الذي لا محل له بين المذاهب الدينية التي يعرفها المسلمون في العالم،  وتحضُّ على هدم مقامات أقطاب التصوف، وتدمير مقابر الأولياء، بحيث لا يكون في المشهد الديني - الذي هو أساسًا سياسي، ولا يزيد على كونه صراعًا على السلطة - غير الإخوان والسلفيين، ومن دار في فلكهم، ومن ثم انتشر الدم، وبرزت إلى السطح جرائم الاغتيالات، وقتل السُيَّاح، وضرب المدارس، وسكب مياه النار على النساء في الشوارع؛ لأن لباسهن ليس شرعيًّا، ولأنهن تاركات شعورهن تنسدل على أكتافهن، وسرقة محلات الذهب، والنيْل من الأقباط، ومُهاجمة الكنائس، واغتيال الكُتَّاب والمُفكرين ممن لهم آراء أخرى تناهض هؤلاء الأدعياء الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء على الدين، وحُماة العقيدة، ونوَّاب الله، وأصحاب التوكيل الوحيد من السماء، والوسطاء الرسميين بين العبد وربه .

من الذي يحارب الصوفية والمتصوفة ولماذا؟

ويضيف “الشهاوي” في كتابه "سلاطين الوجد.. دولة الحب الصوفي": ورأينا الأزهر والأوقاف ودور النشر تمتنع في أغلبها عن نشر كُتب التصوف، بل إن هناك دورًا للنشر، كانت تأخذ دعمًا سخيًّا من إحدى الدول مُقابل ألا تنشرَ كُتبًا للتصوف، إلى حدِّ أن هذه الدار، ارتكبت جريمةً لا تُغتفر، حيث امتنعتْ عن تسليم أصول الكتب التي لديها حول التصوف، ومنها كتبٌ مُترجمة من الفرنسية إلى العربية، أنفق أصحابها سنواتٍ من أعمارهم في الاشتغال عليها، وكان رد الدار أنها فُقدتْ وضاعت، ولم يكن المؤلفون وقتذاك  لديهم نسخٌ أخرى كعادة هذه الأيام، حيث وسائل التكنولوجيا الحديثة في الطباعة.

لقد مات فؤاد كامل أحد أهم مبدعي مصر في الترجمة إثر فقده لأربعمائة صفحة، كان قد سلمها لهذا الناشر، ترجمها عن الفرنسية لكتاب المستشرق الشهير هنري كوربان (1903 - 1978)  "الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي"، والذي سيترجمه بعد ذلك صديقنا المغربي فريد الزاهي، وهو يعتصر ألمًا، لأنه يترجم كتابًا ترجمه قبله عظيمٌ من مصر، أضاعه عمدًا الناشر المصري الشهير الذي كان يتلقَّى الأموال للإسهام في إماتة التصوف، ويعيش بيننا كملاكٍ لم يرتكب إثمًا .

الموالد في مصر لا تكلِّف الدولة مليمًا واحدًا، وليست خطرًا على الأمن الوطني أو الأمن القومي، وما التجمعات فيها سوى تجمُّعٍ للأحباب والمُريدين الذين يبحثون عن الفناء في الذات الإلهية، هم وقُود العشق الإلهي، وليسوا  قتلةً ولا سفَّاكي دماء، أنقياء أتقياء، سمْتُهم النقاء وصفاء الروح .

وليلة المولد ليست عُطلةً رسميةً، كما أن الأرض التي تُقام عليها الموالد هبةٌ من أهل كل قرية، ولكن مع زحف التشدُّد الديني على أرض مصر، اغتصبت ساحاتُ وميادين وأراضي الموالد .

المتصوف كائن منفتح على العالم يقبل الديانات كافة 

ويلفت “الشهاوي” إلى أنه: وفي حوار أجراه معي  في مونتريال "كلود ليفيك" نُشر 21 من أكتوبر 2013 بجريدة لودوفوار الكندية بلسانٍ فرنسيٍّ، وهي من أشهر وأكبر الصحف في كندا، وقد ترجم فقرات من الحوار إلى اللغة العربية الشاعر والناقد الدكتور وليد الخشاب أستاذ الأدب بجامعة تورونتو الكندية  قلتُ: "إن المتصوف كائن منفتح على العالم، يقبل الديانات كافة. وكما قال الشيخ الأكبر والصوفي المسلم العظيم، ابن عربي، "الحب ديني وإيماني" .

"المتصوفة مسالمون، يحبون الحياة والعشق، ولا يمارسون السياسة". إلا أن هذه السمة لم تجنبهم ويلات الاضطهاد على مر العصور. وهم يشكلون الأغلبية في العديد من البلاد الإسلامية، ومنها مصر، لكن “تم إسكات أصواتهم”  يؤسفني أن أقول إن الغرب لا يحتفظ (من العالم الإسلامي) إلا بصورة المتطرفين. يظن أن هذا العالم لا يقدم سوى المجرمين"

هذا جزءٌ من حواري، لكنني قلتُ أيضًا لمحاوري إن الغرب وأمريكا دائما ما يقدمان الدعم المادي والمعنوي لكل الجماعات الدينية المتشددة ولم نرهما مرةً واحدةً يدعمان المُتصوفة أو التصوف، أو حتى ينفق مالا قليلا لنشر كتابٍ صوفيٍّ، لأنه يدرك أن التصوف صورة مشرقة للإسلام، وهو لا يريد لهذه الصورة أن تنتشر وتتعمَّق في نفوس العالم، الغرب لا يريد ابن عربي (558  هـ 1164م -  638هـ - 1240م) آخر، ولا جلال الدين الرومي (604 هـ - 672 هـ = 1207 - 1273 م) آخر ، لأنهما أبرز أنموذجين يدلان على سماحة واعتدال الدين الإسلامي. الموالد كما شهدتُها ومارستُ الذِكْر فيها، تعبيرٌ عن فرح القلب بالحب الذي يُعمِّر الأرواح.