ثقافة الهزيمة وعفريت السنغال
بعد هزيمة يونيو عام ١٩٦٧ سعت إسرائيل بكل قوتها إلى نشر ما يمكن تسميته بثقافة الهزيمة.. راهنت بكل ما تملك على ترويج الإحباط بين صفوف المصريين والعرب.. إعلامها المنتشر عبر العالم راح يبث مزاعمه التى صدقناها.. وردّدها بعضنا يأسًا حتى كدنا نُصدق أنهم يملكون الجيش الذى لا يقهر.. وأن حائط برلين لا يمكن تجاوزه.
وكانت هزيمة هذه الثقافة أمرًا غير بسيط بالنسبة لقادتنا الذين كان عليهم استعادة جيشنا وأراضينا ونفوسنا الممزقة فى آن واحد.
لم يكن الأمر مجرد ترديد لأمثال شعبية تخترق صدور أجدادنا وتصلنا جاهزة «مستويّة».. الأمر علمى جدًا ويتم عبر آليات ليست عفوية.. وقد استغرق الأمر منهم سنوات طويلة.
وحسب أستاذنا محمود عوض فى كتابه المهم «اليوم السابع» فإن قادة بنى صهيون «عملوا لعبة» تحاكى «عبور محتمل» للمصريين.. عبور بكل تفاصيله وجاءوا بقادة من عندهم فى مواجهة قادتنا وجيوشنا التى ستعبر.. روجوا لهذه اللعبة كثيرًا.. وكان أن صرفوا الكثير أيضًا على «بيع وهم» أنهم الأعلى والأقدر والأنقى.
وكان على المصريين إذا ما أرادوا استعادة أراضيهم المحتلة والانتصار أن «يهزموا» بأسهم أولًا ودحض فرية عدوهم.. ونبذ الإحباط.. ورغم السخرية المُرة التى خرجت فى أشكال متعددة سواء عبر قصائد وأغانى الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.. «آخر هبل وهجص» الأغنيات الهابطة وفرق الهيبز ومقلدى الـ«بونى إم» وموضات الشعر والملابس الواسعة.. رغم كل ذلك كان هناك من بيننا من يدحض تلك الثقافة ويخطط أيضًا لنشر ثقافة القدرة والتجاوز والاقتدار.. وكان أن انتصرنا.
الهزيمة ثقافة إذن.. والنصر كذلك.. وأسوأ ما يمكن أن تفعله الرياضة بنا هو أن تسهم مجددًا فى نشر ثقافة الهزيمة والإحباط.. وأن يتحول فريق السنغال أو أى فريق لكرة القدم أو أى كرة إلى «بعبع» أو «عفريت» نأنس لفكرة أننا غير قادرين على مجاراته أو هزيمته.
أقول ذلك لأننى شعرت بكم كبير من الإحباط فيمن هم حولى عقب هزيمتنا بضربات الجزاء فى المباراة المؤهلة لكأس العالم.. وربما قبل أن نذهب إلى «داكار» منذ أشهر ليست قليلة ونحن فى فكرة الإعداد والتصفيات، استسلمنا لفكرة الهزيمة مبكرًا.. هاجمنا حسام البدرى واختياراته وكيروش من بعده.. وأولينا فكرة الصعود إلى كأس العالم أو الفوز بكأس الأمم ما ليس بها، وحمّلنا عشرة لاعبين أو عشرين لاعبًا ما لا طاقة لهم به.
خفنا.. وارتكنا إلى «اللى يخاف من العفريت يطلع له» رغم أن ثقافتنا الشعبية نفسها تقول أيضًا إن «اللى تخاف منه ما يجيش أحسن منه».
هذا هو مربط الفرس.. هذا هو ما أقصده تمامًا.. ضع يدك فى «قعر حلة ثقافتك» وستجد ما تحتاج.. هزيمة هتلاقى.. إحباط هتلاقى.. عمل وجد وانتصار وفرح هتلاقى برضه.. فماذا تريد؟
أولًا.. لا يوجد فى كرة القدم أو فى الرياضة عمومًا منتصرون بشكل دائم.. ولنا فى إيطاليا مَثل وعِبرة.. علينا أن نعرف أنها مجرد مباريات فيها مكسب وخسارة.. أعرف أننا كنا فى حاجة إلى «فرحة».. أى فرحة.. فى ظل ظروف صعبة نعيشها ويعيشها العالم كله.. كنا فى حاجة إلى الفخر مجددًا.. وهذا أمر طيب ومتاح.. لكن خسارة المباريات أيضًا أمر طبيعى.
أحيانًا تكون القسوة على النفس بداية طيبة للإصلاح والعودة إلى طريق النجاح.. لكن القسوة شىء.. وجلد الذات شىء آخر، والوقوع فى فخ التشاؤم رفاهية لا نقدر عليها فى هذه الأيام.
الرياضة لم تعد مجرد «لُعبة» وساعات متعة.. إنها صناعة كبرى وفلوس وتجارة وفلسفة وعلم أيضًا.. وإذا كُنا نريد أن نتبوأ مكانًا طيبًا ومتقدمًا فعلينا ألا نتعامل مع لاعبينا بمنطق.. «فلاسفة المقاهى» و«الألتراس».. والتفرقة بين المحترفين العاملين فى المجال». وهواة السبوبة وسماسرة الوقت شىء آخر.
الأمر ليس رفاهية.. وكما أنه «علم» فالخطر أن نسحب ما هو فى علم محدد على علوم أخرى ومناحٍ أخرى فى حياتنا.
عن نفسى لا أرى عيبًا فى خسارتنا.. بل أرى أنها بداية طيبة لجيل جديد يحتاج إلى بناء جديد على ما تحقق بالفعل.. لن نبدأ من فراغ.. هذا عن الرياضة.. أما الأهم بالنسبة لنا من وجهة نظرى- وقد لا أكون مصيبًا- فما وراء الكرة وناسها وحواديتها وهيصتها.
نحن فى حاجة إلى نفض ثقافة «الخوف» وثقافة «اليأس».. «ثقافة الهزيمة».. فورًا ونشر ثقافة «العمل» من أجل «الانتصار».
نحن أصحاب تاريخ فى الرياضة وفى غيرها، ولدينا من الكفاءات والكوادر والإمكانات ما يسمح لنا بأن نقفز إلى الأمام، وثقافة «القدرة» هذه لا يتم نشرها بمجرد التمنى أيضًا هى صناعة وعلم وفن.. علينا إذا كنا نريد أن نبحث عن «تلاميذه ورُواده» وهم كثيرون فى بلادنا.
افرحوا بأولادكم.. صلاح ورفاقه.. وكل من هم مثلهم فى أى مجال.. نحن نقدر.. نحن نستطيع.. نحن أبناء الانتصار إن كنتم لا تعلمون.