مأساة الشقيقات الثلاث.. هكذا كانت طفولة آل «برونتي» بين مدافن وبراري يوركشاير
عن روايتها “مرتفعات ويذرينج”، أنتجت السينما المصرية فيلم “الغريب”، والذي لعبت بطولته الفنان ماجدة الصباحي، بمشاركة كل من كمال الشناوي، يحيى شاهين وزهرة العلا. إنها الكاتبة الإنجليزية إيميلي برونتي.
وقالت الناقدة ماي سنكلير عن رواية شقيقتها آن برونتي، "نزيلة قصر وايلد فيلد"،: إن إغلاق باب غرفة نوم "هيلين" في وجه زوجها أمر تردد صداه في جميع أنحاء انجلترا الفكتورية".
أما الشقيقة الثالثة شارلوت برونتي، فمن أهم إنتاجاتها الأدبية الروائية، روايات: “جين آير”، رواية “شيرلي”، رواية “فيليت”، رواية “الأستاذ”، ورواية حكايات سكان الجزيرة.
فمن هن الشقيقات الثلاث اللائي بزغ نجمهن الأدبي ولمع في القرن التاسع عشر؟. إنها حكاية أسرة عرفت الشقاء أكثر مما عرفت السعادة، ولكن وعلى الرغم من هذا فقد أنتجت بعض من العباقرة من النساء، اللاتي يضعهن نقاد الأدب في مصاف الخالدين من الكتاب. هي أسرة إيميلي برونتي التي كتبت رواية “مرتفعات ويذرينج”، وشارلوت برونتي مؤلفة “جين آير”، والشاعرة آن برونتي التي تزيح أشعارها الغطاء عن نفس امرأة تقاسي وتتألم.
لقد صدم العالم الأدبي في القرن التاسع عشر، حين عرف أن مؤلفي تلك الكتب هن من النساء، فلأول مرة تعالج كاتبة ــ كما فعلت إيميلي ــ الإحساسات الداخلية الدقيقة للنفس الإنسانية، لا نفس المرأة فحسب بل نفس الرجل أيضا. ولأول مرة تعالج كاتبة كـ"شارلوت برونتي" الإحساسات الاجتماعية للمرأة والرجل على السواء. ومن أسباب دهشة النقاد أيضا الحياة التي كانت أسرة “برونتي” تحياها.
حياة خالية من التجارب، خالية من العلاقات الخارجية، حيا منطوية منعزلة، حياة تعتمد على الخيال أكثر من اعتمادها على الواقع. ولهذا السبب جاءت كتبهن متوحشة كما يصفها بعض النقاد، كتب تعالج أحاسيس ومشاعر بدائية ولكنها في نفس الوقت صادقة ومدمرة.
ــ مأساة الشقيقات الثلاث
تروي لنا الكاتبة “جاسكل” صديقة شارلوت برونتي كيف أن والد الأخيرة طلب منها كتابة السيرة الذاتية لبناته الثلاث الأديبات: شارلوت ــ إيميلي ــ وآن برونتي، وكيف أنه لم يقدر أنه سيزيح الستار عن حياة كانت حتى تلك اللحظة منطوية مستترة، حياة امرأة عبقرية، وحياة أسرة بأكملها، أسرة كان نصيبها من الملمات والخطوب يكفي ليوزع على عشرات الأسر، ولكنها في نفس الوقت كانت أسرة عباقرة.
تقول ميسز “جاسكل”: الواقع أن خطاب مستر برونتي إلي أدهشني بقدر ما سرني، سرني لأنني سأتمتع بكتابة تاريخ حياة شارلوت، تلك العبقرية الصغيرة التي تمتعت بصداقتها خمس سنوات. كانت حياة زاخرة مليئة بالأحداث والمآسي ولكنها لم تخلو من المرح والسعادة.
أدهشني الخطاب لأني لم أعتقد أن القس “برونتي” يهمه أن يكشف عن حياة ابنته وهو القس المحافظ العنيد، الذي أدت قسوته على أبنائه إلى القضاء عليهم الواحد بعد الآخر، والذي لم يكن يتصور من قبل أن فتاة تستطيع أن تكتب شيئا أو تنشره.
وفي مساء أحد أيام يوليو عام 1855 أخذت طريقي إلى بلدة “هارث” في براري يوركشاير، وفتح لي الباب المستر برونتي بنفسه ومعه مستر نيكوس زوج شارلوت. تصف مسيز جاسكل بيت عائلة برونتي: هو كما نقرأ وصفه في قصص شارلوت برونتي، إنه بيت مبني من الحجر الرمادي الذي أوشك أن يصير أسودا قاتما، يقبع وسط مدافن الكنيسة المجاورة له والتي يلقي منها القس برونتي عظاته. والبيت لم يري الطلاء أو يجدد أثاثه لمدة ثلاثين عاما، أي منذ وفاة زوجة القس تاركة له ستة من الأبناء أنجبتهم في تسعة سنوات، ماتت بعدها تأثرا بجو المنطقة ومن أعباء الأبناء والعمل ومن تحكمات زوج يكاد يكون مخبولا.
ــ كيف كانت طفولة آل “برونتي” بين المدافن وبراري يوركشاير
كانت شارلوت قد أخبرتني في خطاباتها عن حياتها في هذا المنزل. كانت حجرة الجلوس تطل على المدافن، وكان الأطفال الستة، البنات الخمس والولد الوحيد يقضون أيامهم بين المدافن أو في براري يوركشاير الموحشة. لم يهتم أبوهم بتعليمهم ولم يكن يسمح لهم بتناول الطعام معه. وعندما بلغت شارلوت الثانية عشر طلبت من أبيها إرسالها وأخوتها إلى المدرسة، فوافق على إرسال أربعة من بناته إلى مدرسة “كوان بريدج”. والحياة في تلك المدرسة نراها منعكسة في قصة “جين آير”، ففي هذه القصة استطاعت شارلوت أن تستعيد أيام التعاسة والشقاء التي مرت علي البنات في تلك المدرسة. وتصف شارلوت في هذه القصة الحياة في ملجأ لويد للأيتام فيأتي وصفها صورة من حياتها في كوان بريدج.
تقول شارلوت برونتي عن هذه المدرسة وكيف كانت من أقسى وأتعس الفترات في حياتها: “مرت الفترة الأولى التي قضيتها في ”لود" وكأنها أجيال، كانت ملابسنا غير كافية لوقايتنا من قسوة البرد، وكانت أحذيتنا بالية مثقوبة جعلت الثلج يجد طريقه إلي داخل أقدامنا حيث كان يذوب، ولم يكن لدينا قفازات ففقدت أيدينا القدرة على الحركة. ثم كان هناك الطعام تلك الكمية الضئيلة التي لا تشبع ولا تكاد تكفي مريضا لا يشعر بالرغبة في الطعام فما بالك بفتيات صغيرات في طور النمو يحتجن نصيب وافر من الغذاء، وأدي هذا النقص في الطعام إلي محاولة الكبار من البنات الإستيلاء علي طعام الصغار منهن، ولسوء الحظ هجم علي المدرسة وباء التيفود، وكان الجوع والبرد والإهمال السبب في تغلغله بين التلميذات وسهولة إصابتهن بالمرض، فماتت البنات بالعشرات. وكانت أختان من أخوات شارلوت ضمن من مات.