اثناسيوس حنين يربط بين إنجيل المخلع وبين القديس غريغوريوس؟
قال د.اثناسيوس حنين في دراسة له بعنوان "أصدقاء المفلوج الأربع هم أصدقائنا" إن المقطع الإنجيلي لأسبوع المخلع من الصوم الأربعيني الكبير المقدس يتكلم عن المفلوج أو المشلول أو المُقعد (مرقص 1:2-12) الذي تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية.
ومع إنجيل المشلول، تعيد الكنيسة للقديس غريغوريوس بالاماس، مضيفًا: "ما هى العلاقة بين إنجيل المشلول وبين القديس غريغوريوس بالاماس؟، ميز القديس غريغوريوس بالاماس بين "الجوهر الإلهي في ذاته وخصوصياته" وبين "الأفعال" و"الطاقات" (الأوسيا والإنيرجيا) والإطلالات اللاهوتية، في إطلالاتها وفرادتها. نحن لا نعرف الله في الجوهر ["الله لم يره أحد قط (في جوهره)، الابن الوحيد ("الكلمة" طاقة الله المتألهة والمشخصنة) الذي هو في حضن الأب هو خبَّر" (يوحنا 1: 18 )]، نحن نتعرف على الله في إطلالاته وطاقات الغير المخلوقة في الكلمة وكل الكلمات، وما الكلمات البشرية إلا محطات للكلمة - اللوغوس.
يرى بالاماس أن أصدقاء المشلول هم طاقات الله المنحدرة إلينا بالروح القدس في الكنيسة المستقيمة الرأي من خلال الكلمة الحية والفعالة. أصدقاء المشلول هم الطاقات (الإنيرجيات) النازلة علينا من فوق من الله، ونحن نلمسها ونتعرف عليها ونصاحبها ونفهمها ونعيش بها ومعها في مسيرة التوبة والتقديس والاستنارة من هنا يأخذ نص إنجيل الأحد الثاني من الصوم الأربعيني العظيم كل معناه الروحي وزخمه اللاهوتي وامتداده التاريخي والكنسي.
هذا الطاقات هي ليست رموز أو مجرد واجبات دينية أو أفعال شخصية أو حذاقة دينية أو جهادات وأصوام فريسية، بل هي طاقات اللاهوت النازلة على الذين قرروا أن يعيشوها. وهي، مع الصوم، تتحول فيهم إلى نِعَم وعطايا وتبريكات وتقديسات في إنسانهم الجديد الذي يتجدد حسب أيقونة خالقه في المسيح بالروح.
وهذا يتأتى عن طريق:
1- النقد الذاتي وتسليط الذهن في القلب ؛ أي أن نتوقف عن أن نصير كلنا مصلحون، وأن نبدأ في أن نصير كلنا تائبون في نقد ذاتي راق. وأن نحمل آلام الناس ونضعهم أمام يسوع، حتى ولو كسرنا سقف بيت صاحب البيت المفلوج. إن أول من مارس النقد الذاتي هم أصدقاء المفلوج، لهذا أوجدوا طريقة جدية في تقديم صديقهم للمسيح. إن ابتكار طرق جديدة في الرعاية والخدمة لا يأتي إلا بالنقد الذاتي وعدم الارتياح لما نحن فيه.
2- الانطلاق ، بعد فحص الذات، إلى خارج لممارسة الشركة في "الأمولوجيا" بالإيمان مع أب روحي خبير وناضج. فحص الذات، أي "التوبة"، للاسف الكلمة تم اختصارها بشكل مهين لتاريخها الغني لاهوتيًا وإنسانيًا وكنسيًا إلى كلمة "الاعتراف".
هذه الكلمة تتكون من مقطعين: الأول "أيكسوا" بمعنى الاتجاه إلى الخارج، أي الخروج من الذات ومنها الخروج (أيكسودوس)، وبذل الذات. والمقطع الثاني"أمولوجو" وهي كلمة تقنية لاهوتية تعني "الاعتراف بالإيمان المستقيم"
3- القرار الحازم بالسير في الطريق، يجب أن يكون القرار كالسيف. مثل قرار الأصدقاء أن يصنعوا فتحة في سقف البيت وينزلوا الصَدَيق أمام المسيح، بمعنى وضعوا السيد أمام إصرارهم والأمر الواقع وهو حتمية شفاء صديقهم المشلول.
4- الابتهال ( والصراخ إلى إله نعرفه ويعرفنا بالروح الذي يئن فينا بأنات لا ينطق بها. وعند الصراخ يجب "أن نطرح عنا كل هم دنيوي... لأننا مزمعمون أن نستقبل ملك الكل"، كما نصلي قبل الخروج الكبير في القداس الإلهي. هنا تتحول رسالة الإنجيل بنا وفينا وبالصوم المقدس، إلى طاقات لاهوتية حية وابداعات تجعلنا لا نقرأ بالاماس كتاريخ قديم، بل نشاطر الآباء فكرا ونستلهمهم روحًا ونحولهم واقعًا ونفهمهم ونبدع بهم، وفيهم ننال الشفاء من شللنا الروحي والفكري والديني والإنساني والنفسي ونذوق قيامة المسيح المحيية فينا كطاقات معطية الحياة ومحيية وهذا هو ما نذوقه "عربونًا" في سر الشكر (الإفخارستية).
هكذا عشنا في الأحد الماضي أحد الارثوذكسية واستقامة الإيمان، ثم شفانا هذا الإيمان المستقيم من شللنا بالأصدقاء الأصحاء، ومن هنا نقدر أن نسجد للصليب بالروح والحق في الإسبوع الثالث.